جنى الانتفاضة في مئة يوم.. عشر
ثمرات باكورة الحصاد
بقلم: محمد أبو طربوش *
مئة يوم مضت ولم تنطفئ جذوة انتفاضة القدس
ولم تخمد ثورتها التي برهنت أن نضال الشعب الفلسطيني لم ولن يصدأ، وأن روح المقاومة
بقيت كما هي في نفوس الشباب وعزائمهم وبين أضلع إرادتهم التي حطمت كل محاولات تكوين
"الفلسطيني الجديد"، وبرهنت عن فشل مشاريع السلام السياسي والاقتصادي والتنسيق
الأمني، وقهرت كل التحديات التي مورست لإضعاف المقاومة وبُناها وإغلاق مؤسساتها وملاحقة
كوادرها، وتحدَّت كل سلبية وضبابية المشهد المحلي والإقليمي وغياب الموقف السياسي والدعم
العربي والإسلامي، ونجحت انتفاضة القدس المستمرة رغم كل التحديات والعوائق بإرادة شبابية
وشعبية متمسكة بالثوابت والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حصاد بعض المكتسبات التي
من المبكر حصرها، ولعل أبرز هذه المكتسبات تتجلى بالآتي:
1. تجميد مشروع التقسيم الزماني والمكاني
في المسجد الأقصى المبارك رغم كل المحاولات الجادة والحثيثة التي قام بها الاحتلال.
2. إعادة قضية فلسطين والقدس إلى الاهتمام
السياسي والإعلامي والجماهيري العربي والإسلامي، بعد أن تصدرت الأوضاع الداخلية للدول
العربية - التي أطلق عليها عرفًا "ثورات الربيع العربي"- خلال الأعوام السابقة
دائرة الاهتمام.
3. تحقيق حالة من الالتفاف الشعبي حول الثوابت
التاريخية للقضية الفلسطينية ومشروع المقاومة، الأمر الذي أجبر السلطة الفلسطينية للتفاعل
مع حدث الانتفاضة وإعادة النظر بعلاقتها مع فصائل المقاومة ولو شكليًا والتخفيف من
لعنة التنسيق الأمني العلني مع الاحتلال.
4. تقويض العملية السلمية مع الاحتلال ومشروع
السلام الاقتصادي وكل المحاولات الحثيثة لتدجين المواطن الفلسطيني وإغراقه بالاستحقاقات
والقروض المالية، وحلم دايتون ومولر الأمني.
5. إضعاف صورة الاحتلال إعلاميًا ودبلوماسيًا
لدى المجتمع الدولي، وكشف وجهه القائم على التطرف الرسمي والشعبي والتطهير العرقي والقتل
والإجرام وتشويه الحقائق.
6. تعزيز الخلافات داخل المؤسسة الرسمية
الإسرائيلية حيث توالت الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب الإسرائيلية التي حملت كل منها
المسؤولية للطرف الآخر في اندلاع انتفاضة القدس وتأجيج الشارع الفلسطيني.
7. صناعة مناخ من الرعب على المستوى الأمني
وفرض حالة من الضغط النفسي والهستيريا داخل المجتمع "الإسرائيلي" نتيجة تصاعد
العمليات الفلسطينية "الفردية"، والشعور بانعدام الأمن الشخصي لدى الجمهور
"الإسرائيلي" وفقدان الثقة بالسلطات الأمنية الإسرائيلية.
8. هزت ثقة الجمهور "الإسرائيلي"
برئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي كان يلقب برجل الأمن بعد أن فشل في إعادة الأمن
ومكافحة عمليات الطعن والدهس، وهو ما انعكس سلبًا على صورة حكومة نتنياهو التي تعيش
حاليًا حالة من التخبط السياسي تعبر عن إفلاس سياسي وأمني "إسرائيلي" في
التعامل مع انتفاضة القدس.
9. استنزاف الاحتلال في أزمة اقتصادية حيث
برزت مؤشرات لها دلالات كبيرة على تراجع أداء الاقتصاد الإسرائيلي إذ بلغت نسبة الخسائر
الاقتصادية في قطاع السياحة مثلاً حوالي خمسة مليارات شيكل شهريًا أي حوالي مليار ونصف
المليار دولار.
10. تراجع أرقام الهجرة اليهودية الوافدة
إلى "إسرائيل" بسبب تدني عوامل جذب المهاجرين اليهود بشكل ملموس، مقابل تصاعد
طلبات الشباب اليهود للهجرة إلى الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية بسبب انعدام الأمن
الإسرائيلي.
وهكذا يتبين أن المشهد الإجمالي لانتفاضة
القدس يبرز في حيثياته أنها نجحت في تحقيق عدد من المكتسبات بعيدًا عن حصرها بالنقاط
التي أوردناها أعلاه، كما نجحت في قهر العوائق والتحديات والظروف الصعبة واستمرت بجهود
شعبية محضة، وإن كان المطلوب أن تحذو النخبة السياسية الفلسطينية حذو الشعب وتقود المشهد
وتصوب طاقاته وتستثمر إمكانياته في تحسين فرص الوصول إلى أهداف واقعية تحقق بالمنظور
القريب بعض المكتسبات للشعب الفلسطيني في ظل المعطيات الراهنة محليًا ودوليًا.
وهنا وبعيدًا عن الإسهاب البحثي في السيناريوهات
التي تتحدث عن استدامة الانتفاضة من عدمه أو الاستغراق بتحليل الوضع المحلي والإقليمي
وتأثيراته على الانتفاضة، لا بد من البحث بجدية عن أدوات وسبل لدعم انتفاضة القدس تسهم
حقيقة ببناء استراتيجية وطنية داعمة لانتفاضة القدس تحدد هيئاتها ولجانها الميدانية
والأهداف والوسائل والفعاليات حتى إنجاز الأهداف الفلسطينية العليا من أجل الحرية والتحرر..
* مدير الإعلام في مؤسسة القدس الدولية