جوانب القوة والضعف في مواجهة غزة القادمة
بقلم: د. عدنان أبو عامر
تنشغل الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، بحالة الحراك الميداني على الحدود مع قطاع غزة، وما تسميها بحالة عدم "التوافق الراسخ" بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية، ما قد يؤدي لمواجهة عسكرية ما، ولهذا يُحتاج لتحديد أساسي في المستويين الاستراتيجي والتكتيكي لها، يقرر كيف يحارب الجيش في الشارع الغزي.
مع العلم أن أهداف المواجهة العسكرية المرتقبة، تتلخص برغبة "إسرائيل" في أن تُثبت الواقع الجغرافي السياسي، وتحرز تهدئة، وحين تفحص نسبة القوى مع الفصائل المسلحة، ترى تل أبيب أن جيشها هو الجانب القوي، لأن فيه مئات الآلاف من الجنود والدبابات والطائرات والسفن، فيما الفلسطينيون الجانب الضعيف، عندهم عشرات الآلاف من المقاتلين، وغير مسلحين بسلاح ثقيل، وحين يدخل الجانبان في مواجهة عسكرية بينهما، سيتغلب القوي على الضعيف، وقد ثبت ذلك أنه غير صحيح، وخطأ كبير، لأنه لا يمكن قياس نسبة القوى بينهما برؤية سطحية كهذه.
فالجانب "الضعيف" وهم الفلسطينيون، حسب التصنيف الإسرائيلي، يجر (إسرائيل) للمواجهة في صعد أخرى تقرر بقدر كبير جداً نتيجة المواجهة العسكرية، لا في المستوى التكتيكي فحسب، بل في المستويين التجهيزي والاستراتيجي أيضا، لأنها مواجهة عسكرية غير تناسبية، لا تقاس بمفاهيم القوة فحسب، بل موجودة في كل مكان به اختلاف في طبيعة الجهات المتواجهة عسكرياً، وأهدافها، وقوتها، وطريقة عملها، لاسيما قواعد اللعب التي تعمل بحسبها.
أكثر تفصيلاً فإن الجيش الإسرائيلي نظامي وتقليدي، يعمل بشيفرة عسكرية غربية، وفي غزة كتائب وسرايا وألوية، ذائبة في المحيط المدني، ومعدة تحت بيوت ومؤسسات مدنية، كما أن هناك اختلافا في منطق المعركة، لأنه حسب التصور الإسرائيلي يجب أن يكون القتال قصيراً، ويحرز نتائج قاطعة تُمكّن من هدوء زمناً طويلاً، أما الفلسطينيون فيتحدثون عن صمود طويل في الميادين الموجودة، ويحاولون التوصل لخطة تفرض على (إسرائيل) حدوداً في الأمد البعيد، فلا أحد يتوقع هزيمتها، وهي أقوى منهم كثيرا، وبهذا تقيد أيديهم، وتجعل العمل صعبا عليهم.
أما من جهة ما تسمى باللغة العسكرية الإسرائيلية بـ"العوامل القسرية"، فإن هناك حساسية إسرائيلية كبيرة بمدة المعركة، والتأثير في الجبهة الداخلية، وعدد المصابين في الطرفين، رغم أن الجيش بُني من وحدات في بنية عسكرية تقليدية، وصورة عمله واضحة بيّنة ذات ظهور كبير، فيما المجموعات الفلسطينية المسلحة تعمل في غزة بطريقة الاختفاء، وبظهور ضئيل جدا، داخل محيط مدني مهيأ لعمل عسكري، وموجودة تحت الأرض، ولها اتصال مستقل عن الشبكات العامة، وتملك مخزونا من الذخائر المتفرقة كي لا يضطروا لحملها من مكان لآخر، ويحاولون الابتعاد قدر المستطاع عن مراكز الثقل كي لا تمكن مهاجمتهم.
كما أنّ الحديث الإسرائيلي يدور عن عدد كبير من المحاربين يبلغ عشرات الآلاف يعملون في أطر مفرقة داخل محيط مدني، ما يعني أن المنطقين العسكريين اللذين يوجهان الطرفين مختلفان، (إسرائيل) والفلسطينيون، على النحو التالي:
1- فما يوجه حماس هو المس بمنعة (إسرائيل)، وتصميمها على القتال بسبب خسائر كثيرة، وإحداث صورة وضع إنساني صعب، مقابل أن تفضي لضغوط دولية تسبب وقف القتال.
2- أما عن منطق (إسرائيل)، فينبغي القضاء في أسرع وقت ممكن على إطلاق حماس للنار، القضاء لا الوقف، لأن وقفه صعب جدا من جهة عسكرية، ويضر إضرارا شديدا بكل ما يتعلق بحماس العسكرية، كي تنشئ ردعا في المستقبل.
كما أن أسلوب إنهاء (إسرائيل) للمعركة هو إحراز الأهداف، فيما أسلوب إنهاء الفلسطينيين، ضعضعة شرعية عمل (إسرائيل) ، ما يشير لجملة من التحديات التي ستواجهها في الحرب القادمة تجاه غزة، وهي القتال في مناطق مأهولة، بالقيام بعملية منسِّقة، كاستعمال نار مساعدة، مع الامتناع عن إضرار بالمحيط، وما زال التحدي كبيرا في هذا المجال، وجمع معلومات استخبارية قبل الخروج للمعركة، للتمكين من القضاء على أهداف بصورة كثيفة، وإصابة مراكز قوة جهازية، مع الامتناع عن الإضرار بالسكان غير المشاركين في القتال.
فضلاً عن الدخول البري وسط القطاع، مع التحكم بالإيقاع، والوصول للأهداف، والامتناع عن سقوط خسائر من الجيش، والقضاء على نيران حماس، مع تأمين توازن مناسب بين إحراز الأهداف، والتحكم بالتوقيت، وبصورة الخروج من الميدان من طرف واحد، كما تم في عملية "الرصاص المصبوب".
المصدر: فلسطين اون لاين