حب
فلسطين وكره الفلسطينيين

ساري
حنفي*
في ظل
تداعيات الثورة السورية، نشأت مشكلة إنسانية كبرى تتمثل باقتلاع أكثر من أربعة
ملايين سوري من ديارهم، نصفهم نزح داخلياً والنصف الآخر لجأ الى الخارج، ولا سيما
الى الدول المجاورة (لبنان، الأردن وتركيا).
وتشكل
حالة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الأكثر صعوبة، حيث تم تحويل بعض تجمعاتهم الى
ساحات معارك بسبب موقعها الجغرافي، إذ أنها تقع على حدود الموت حيث احتدمت المعارك
بين الجيش السوري الحر والجيش النظامي السوري في مخيمات اليرموك، التل، عائد،
الرملة، الخ...
وبينما
تم التجاوب الى حد ما مع حركة لجوء السوريين، أوصد باب اللجوء كلياً بوجه
الفلسطينيين، ولا سيما في دول أعلنت دعمها لمكونات سوريا السكانية. هذه الدول هي
لبنان، الأردن، تركيا، قطر، الامارات العربية المتحدة والسعودية.
أظهر بحثنا الميداني حول الفلسطينيين من سوريا،
أن لبنان قد أوصد بابه امامهم منذ بدء شهر آب 2013، إلا في حال اثبات اللاجىء أن
لديه فيزا وتذكرة سفر للمغادرة عبر مطار بيروت. إلا أن الفساد في لبنان كان
"نعمة"، على الأقل من وجهة نظر بعض المقتدرين الفلسطينيين الذين رضوا
بدفع رشوة 100دولار للفرد للدخول الى لبنان.
أما
الأردن وقطر والسعودية والامارات العربية المتحدة فلم تقفل فقط أبوابها بوجه
اللاجئين الفلسطينيين، ولكنها منعت أيضاً حتى لمّ الشمل. ولا يعتبر ذلك فقط
انتهاكاً لمعاهدات حماية اللاجئين ولكن أيضاً انتهاكاً لحق أساسي من حقوق الانسان.
حاولت التدخل
في حالة طالب فلسطيني من سوريا أمه أردنية الأصل لكي يسمح له بدخول الأردن حيث تم
قبوله من احدى جامعاتها، وقد استعنّت بشخصيات أردنية سياسية مرموقة ولكن عبثاً.
وقال لي أحدهم إنه لا يسمح لدخول أي فلسطيني سوري اذا كان عمره 6 سنوات ويوم واحد،
وذلك لأسباب أمنية. إذاً يصبح الفلسطيني ارهابياً منذ نعومة أظفاره.
وما اثار
الذهول في زيارتي الأخيرة لعمان وتصفحي لصحفها حراك نسائي ونسوي هناك حول قضايا
هزيلة تظهر أن الحركة النسوية هي أقرب لحركة"صالونات" أكثر منها حركة
فعلية لتحرر المرأة. فتحرر المرأة يبدأ من الاعتراف بمواطنيتها وبحقها في توريث
جنسيتها أو على الأقل منحها الإقامة لأطفالها وزوجها، وذلك أضعف الإيمان.
قد
يتساءل المرء لماذا هذه المفارقة بين المواقف السياسة والممارسة الحدودية في هذه
الدول. الفرضية الأكثر تجلياً بالنسبة لي هي انفصال وهيمنة الجهاز الأمني عن السلطة
السياسية المفترض أن تكون منتخبة.
لقد
تضخمت البيروقراطية الأمنية لدرجة أنها أصبحت توجّه السياسي بدلاً من أن تأخذ
توجيهاتها منه. يقوم السياسي بإصدار تشريعات تحاول محاكاة اعراف ومواثيق حقوق
الانسان، بينما يقوم الأمني بخلق حالة استثناء، بالمعنى الذي اعطاه الفيلسوف
الإيطالي جورجيو اجامبين له، أي تلك التي تهدف الى اقصاء غير المرغوب بهم والذين
يشكلون فئة "يحتمل أن تكون خطرة".