"حجارة السجيل" تواجه "عمود السحاب"
بقلم: أسعد حيدر
هذه الحرب الصغيرة في غزة لن تحل شيئاً. الإسرائيليون والفلسطينيون يعرفون مسبقاً وجيداً أنّ هذه المعركة لن تؤدي إلى الانتصار في الحرب ولا إلى حل المشكلة الفلسطينية. لا "عمود السحاب " سينصر الإسرائيليين كما حدث عندما فصل بين اليهود والمصريين، ولا "حجارة السجيل" ستردع الإسرائيليين حالياً عن الضرب بكل ما عرف عنهم من عطش لدماء الفلسطينيين. رغم معرفة الطرفين بهذه النتيجة مسبقا فإن المعركة كانت شبه مبرمجة لانها تبدو ضرورية لهما بعيدا عن حساباتهما المتعارضة وأهدافهما المتناقضة. كل طرف من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لديه جملة رسائل يريد توجيهها إلى عناوين مختلفة سواء كانت داخلية او خارجية، وهي تصل وتتفاعل وترسل ردودها بسرعة القذائف المتساقطة.
بنيامين نتنياهو بحاجة انتخابية لهذه المعركة ولتثبيت زعامته في وقت تشهد الخريطة السياسية في "إسرائيل" اعادة تشكل مهم لانه مستقبلي وليس آنيا. من الواضح ان اعادة فرز لساحة اليمين الإسرائيلي تتم في العمق. يريد نتنياهو المحافظة على صورته زعيما يمينيا تاريخيا. الباب الواسع لهذا هو تقديم نفسه كحامي الحمى الذي لا ينازع في الدفاع عن امن "إسرائيل" والإسرائيليين. ضرب الفلسطينيين ليس مكلفا حتى الآن. دخول سلاح الصواريخ مهما كان محدودا وفعالا، يغيّر من المعادلات. أيضاً استخدام سلاح صواريخ ارض - جو في المعركة تطور استراتيجي. لن يردع كل هذا "إسرائيل" لكن من المهم جداً ان يعرف الإسرائيليون ان الحروب لم تعد مجرد نزهات وانهم مضطرون إلى تلقي الضربات والنزول إلى الملاجئ. الجيش الإسرائيلي يريد أيضاً اختبار القبة الحديدية". النتائج مهمة لكنها ليست حاسمة. نجحت "القبة" بحسب "إسرائيل" في إسقاط من اصل صاروخ وقذيفة حتى صباح الجمعة. الدروس المستخلصة مهمة جداً لجميع الأطراف بما فيهم "حزب الله". المهم ان العملية البرية الواسعة بمعنى الاجتياح الشامل ليس وارداً. لا يمكن لإسرائيل تحمّل الكلفة السياسية الدولية في ضرب مليون ونصف مليون فلسطيني، أيضاً وهو مهم جداً "إسرائيل" ليست قادرة ومستعدة لتحمل تكاليف إعادة احتلال غزة خصوصاً أن "حماس" التي تدعو الآن إلى وحدة الفصائل هي نفسها التي حققت لإسرائيل بعد إنجاز فصل القطاع عن الضفة خدمة استراتيجية خدمت كما يعترف الإسرائيليون الأمن الإسرائيلي.
"حماس" بحاجة إلى هذه المعركة لأن حالة "الستاتيكو" قاتلة، ولانها بعد ان خرجت من تحت عباءة سوريا وإيران فان " الجهاد" اصبحت البديل لها والمساعدات الإيرانية تتدفق عليها، مما يفتح الباب نحو منافسة جديدة قد تخلق خطوط تماس داخل غزة تحولها إلى قطاعين. أيضاً حماس الشقيقة للإخوان المسلمين في مصر تريد معرفة حجم التغيير على موقف مصر. سحب الرئيس مرسي للسفير المصري بسرعة قياسية من "إسرائيل" مهم جداً ورسالة قوية للإسرائيليين لكن هذا لا يكفي. مطلوب من القاهرة خطوات أكبر وأهم مثل فتح معبر رفح نهائياً وإبقاء الأنفاق "شغّالة"، بهذا لا يكون دور مصر كما ترغب "إسرائيل" مجرد وسيط فاعل وإيجابي بينها وبين الفلسطينيين. من المهم أيضاً أنه إذا كانت ستنتهي المعركة بهدنة مرسومة فإنها يجب أن تكون على الجبهتين وأن لا تستمر "إسرائيل" في ابتزازهم بالمستحقات والكهرباء وحتى اسباب العيش الغذائية عدا الانسانية والطبية. أيضاً لحركة " حماس" حسابات انتخابية لأنها ستتم عاجلا أم آجلاً.
نتنياهو أيضاً أراد اختبار الرئيس باراك أوباما الجنرال عشية إعادة انتخابه. قدّم أوباما الدعم له. هذا الدعم طبيعي ومربح له خصوصاً أنّ أمن "إسرائيل" يتقدّم على كل شيء بالنسبة إلى أميركا. تاريخياً واشنطن مواقفها من الفلسطينيين خارجة من فوهة البندقية الإسرائيلية وإلا ما معنى إدانة الفلسطينيين لأنهم يطلقون عدة صواريخ في الأسبوع في وقت تتابع فيه "إسرائيل" قضم وهضم الاراضي الفلسطينية ومشروع الدولة الفلسطينية الذي وافقت عليه حسب اتفاقية أوسلو. ليس معروفاً حتى الآن إذا كان أوباما مستعداً للدخول جديا خلال ولايته الجديدة على خط حل المشكلة الفلسطينية ودخول التاريخ من بابه الواسع.
في جميع الأحوال خيارات أوباما كثيرة لكن مشكلته انه سيبقى مشدودا إلى الداخل الأميركي بسبب الاقتصاد وضرورة إنهاضه، وفي الوقت نفسه مواجهة استحقاقات خارجية ملحة ابرزها الملف النووي الإيراني وملف الانسحاب من افغانستان وسوريا. لكن بعيدا عن قيود كل هذه الملفات وغيرها فان أوباما لا يمكنه الهرب بعيدا عن ملفات الشرق الاوسط خصوصا سوريا لانه مضطر للتعامل مع الربيع العربي بكل عواصفه وتغييراته. لعل اخطر ما يواجهه أوباما ومعه العالم ان ترك الساحة السورية تتعفن يرفع يوميا منسوب التطرف ويدعم ترحيب السوريين بالجهاديين وغيرهم. يبقى أيضاً ان يلاحظ أوباما وغيره في الغرب كيف تجنح المنطقة كلها نحو الغرق المتزايد في الأصولية. ان الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني اختارا لحربهما الصغيرة عناوين خارجة من الدينين الاسلامي واليهودي.
من السهل تحديد مواعيد المعارك والحروب لكن من الصعب التحكم بنهايتها ونتائجها. يبقى انه حتى ولو كانت معركة غزة مهمة وتعني كل عربي انما يجب الا تغيب سوريا والثورة والثوار عن المتابعة والملاحقة، لأن في سوريا تجري اليوم "أم المعارك".
المصدر: جريدة المستقبل