حق العودة.. الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين
د. رياض عبدالكريم عواد
إن ثقافة المجتمع الفلسطيني التي تقدس الفردية والعشوائية ولاتؤمن
كثيرا بالتنظيم والعمل الجماعي ستلعب عائقا هاما أمام هذا الشكل من النضال المدني
وهذا بحاجة لجهود ضخمة ومتواصلة من العمل الدؤوب. واهما من يعتقد أن هذا العمل
يمكن إنجازه في فترة قصيرة، وأن غدا ستتوجه الجماهير منتظمة إلى الحدود وتحقق
أمنياتها وحلمها بالعودة.
كما أن الشعب الفلسطيني الذي تربى على ثقافة خيار المقاومة وتقديس
البندقية والتغني بشعارات الثورة واهازيجها، ليس من السهل تغيير نهج حياته
ومفاهيمه وموقفه تجاه النضال السلمي، الذي يستخف به غالبية ابناء الشعب الفلسطيني.
إن فصائل المقاومة، التي تتبني نهج الكفاح المسلح منذ سنوات كوسيلة
نضالية مقدسة، ليس من السهل عليها الاعتراف بصعوبة الوضع، وانسداد الافق امام هذا
الخيار النضالي، وما جلبه من تدمير للشعب الفلسطيني والحياة الفلسطينية، خاصة في
الفترة الاخيرة بعد تحويل الاجنحة المسلحة الى قوات عسكرية شبه نظامية.
هذا بالاضافة الى ما جلبه هذا الخيار المسلح، في ظل ضعف الامكانيات
وانعدام التمويل الذاتي، وافتقاد قواعد الارتكاز، وتضخم فاتورة العمل المسلح، وفي
ظل صعوبة ادخال السلاح، والتنامي الكبير في عدد المقاتلين شبه النظاميين، واعتماد
الفصائل الفلسطينية في تمويل انشطتها على دول الاقليم، التي تقدم هذا الدعم المالي
والتسليحي ليس حبا في القضية وانحيازا لخيار المقاومة والتحرير، بل من اجل اهداف
ومصالح خاصة، محلية واقليمية.
ان كل هذه الظروف افقدت الفصائل الفلسطينية قرارها المستقل وجعلتها،
هي وقراراتها وحركة قياداتها، رهينة لهذا الدعم المشروط، كما عَقَّدَ هذا الخيار
حياة المجتمع، وحَوَّل قضية الشعب الفلسطيني من قضية سياسية لشعب مشهود له
بالتضحية والعطاء والنضال الى شعب يشحد لقمته، ويتسول على ابواب المؤسسات
والجمعيات الخيرية.
إن محاولات الفصائل تبني وقيادة حراك العودة الشعبي السلمي لا يستقيم
مع برامجها وتاريخها، كما أن هذا التبني سيقدم مزيدا من المبررات لقوات الاحتلال
الإسرائيلي لقمع هذا الحراك والبطش به. ان هذا السلوك الفصائلي يلقي مزيدا من الشك
على أسباب تبني هذه الفصائل لحراك العودة.
ان حراك العودة يجب ان يركز في نشاطاته الطويلة والمتواصلة على توعية
وتثقيف كل فئات المجتمع، خاصة الشباب، من خلال استخدام مختلف وسائل الاعلام
والندوات التثقيفية المفتوحة في المخيمات والقرى والمدن، والتظاهرات والمسيرات
والتجمعات باتجاه خطوط الهدنة، والتخييم لعدد من الايام للاسر والعائلات في مناطق
تشرف على خطوط الهدنة. ان هذا التثقيف لا يشمل فقط اقناع الناس باهمية المقاومة
الشعبية السلمية، بل أيضا، وتدريبهم على مختلف اشكال هذا النضال، واهمية الالتزام
بالنظام والمواعيد والاقتصاد في المصاريف ونشر قيم التضحية والايثار والتقشف بين
هذه الجماهير.
ان التأثير الايجابي على ثقافة المجتمع باتجاه الايمان باهمية النضال
الشعبي السلمي وتثقيف وتدريب الجماهير عليه، ومحاورة الفصائل الفلسطينية، والتركيز
على قواعدها الشبابية، واقناعها باهمية واولوية المقاومة الشعبية السلمية، في هذه
المرحلة النضالية، وملائمتها لظروفنا وامكانياتنا، ومقدرتنا على تحقيق اهدافنا في
العودة والنصر من خلالها، هو الطريق الصعب والهام الذي يجب ان يجتازه حراك العودة،
وهو التحدي الاساسي امام نجاح هذا الحراك الشعبي السلمي.