«حق العودة» .. بين خطابين
عريب الرنتاوي
بضعة أسابيع فصلت بين محاضرة «حق العودة» التي ألقاها رئيس الوزراء في نادي الملك حسين بدعوة من جمعية الشؤون الدولية، وخطاب «إسقاط حق العودة» الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في قاعة «فرانكلين» الكائنة في الطابق الثامن لوزارة الخارجية الأمريكية...أحسب أنها توفر فرصة مناسبة لتناول «قضية اللاجئين» من منظور الأطراف ذات الصلة.
لقد رحّب الأردن على لسان وزير خارجيته بخطاب أوباما، ورأى فيه جديداً نوعياً يصلح للتأسيس لخطوات لاحقة، أهمها استكمال البحث في قضايا الحل النهائي، وتوقف التعليق عند إشارة الرئيس الأمريكي لخطوط الرابع من حزيران كأساس لترسيم الحدود بين «دولتي الشعبين»...رد الفعل الرسمي ، لم يتطرق إلى نواقص الخطاب الرئاسي، لم يشر إلى تجاهل الإدارة الأمريكية حق عودة اللاجئين، مع أنه لم تمض سوى أيام فقط، على أحاديث متكررة لرئيس الحكومة، تذهب باتجاه تصعيد المطالبة بحق العودة والاستمساك به في شتى الظروف.
ولأن الشيء بالشيء يذكر...فإن المراقب والمحلل السياسي لا يستطيع أن يقاوم إغراء المقارنة بين موقفي لبنان والأردن (الرسميين) من خطاب أوباما...الرئيس اللبناني ميشيل سليمان ورئيس الوزراء المكلف نجيب مقياتي، توقفا بشكل خاص أمام «تجاهل» الرئيس الأمريكي لقضية عودة اللاجئين، بل وتنكره لهذا الحق من خلال الإصرار على «يهودية الدولة العبرية»، وشددا على أهمية إثارة المسألة بقوة وحسم.
كنا نتوقع بعد «محاضرة حق العودة» أن يكون رد الفعل الأردني على خطاب أوباما متأثراً بروح المحاضرة، التي ظنّ كثيرون منّا، أنها تحمل «نفساً» جديداً في السياسة الخارجية (...والداخلية) الأردنية، لكننا فوجئنا بأن أثر المحاضرة ظل محصوراً في «نطاق الداخل الأردني الضيق، وحساباته وحساسياته»...لكأنها – المحاضرة – كانت موجهة له – الداخل - بدل أن تحمل «توجيهاً للسياسة الخارجية» بحكم الولاية العامة للحكومة ورئيسها.
منظمة التحرير الفلسطينية، ومن موقعها الرئيس كممثل شرعي وحيد، المعني الأول باللاجئين وحقوقهم، ما زالت تعيش مناخات «الصدمة»، وحديث «كبير مفاوضيها» عن شكر إدارة أوباما على جهودها، لا يخفي الإحساس بالخيبة الذي يخيم على الطبقة السياسية الفلسطينية في رام الله، التي تشعر بحق، بأن أوباما «أجهض» أهم إنجازين تحققا لها في الآونة الأخيرة: المصالحة الفلسطينية، والتوجه الدولي الواسع للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة في أيلول/سبتمبر القادم....ولن نتعرف بالضبط على ما يمكن أن يكون عليه الموقف الفلسطيني فعلياً قبل التئام شمل الاجتماع الاستنائي الطارئ للقيادة الفلسطينية، حين تقف أمام مروحة من الخيارات، تبدأ بإعادة انتاج البيان الأردني، وتمر بإعادة إنتاج الخطاب اللبناني، ولا تنتهي باستقالة الرئيس عباس، التي يقال أنها باتت مرجحة أكثر من أي وقت مضى، سيما وأنه يشعر شخصياً، بأن ما عمل على إنجازه طوال الأشهر الماضية، تحضيراً لاستحقاق أيلول، قد انهار أو هو على وشك الانهيار.
لم تصدر عن دمشق ردة فعل على «الشق الفلسطيني» في خطاب أوباما، فقد تركز البيان السوري على «الشق السوري» في الخطاب، والذي احتل مساحة واسعة من الخطاب...ودمشق بهذا المعنى «معذورة» تماماً، فيما يجري بحثه في واشنطن، يتصل بمستقبل النظام ووجوده، وعندما يكون الأمر كذلك، تتضاءل بقية القضايا وتتواضع أهميتها، وتتراجع أولويتها على جداول الأعمال.
الخلاصة، أن أكثر ما يهمنا هنا، هو أن لا نعود ثانية إلى «ترويج الأوهام» و»بيع السمك في البحر»...لقد كرس خطاب أوباما ما كنا نعرفه ونقوله ونكتبه...لم يدخل أحد عملية مدريد – أوسلو – وادي عربة، وهو متأكد من أنها ستنتهي إلى إقرار حق العودة، بل أكاد أجزم بأن كل من دخل هذه العملية، كان يعرف أن معادلتها تتلخص في «الدولة مقابل حق العودة»...يأخذ الفلسطينيون دولتهم، وتأخذ إسرائيل «يهوديتها»، وفقاً لأكثر السيناريوهات تفاؤلاً...ولقد شهدنا كيف رفض نتنياهو هذا السيناريو بقوة، حين حمل على خطاب أوباما لمجرد إشارته لخط حزيران، علما ً بأن أوباما لم يحدد حجم الأراضي التي سيجري تبادلها بين الجانبين ونسبتها ونوعيتها، وبالرغم من أن أوباما تنكر لحق العودة (يهودية الدولة)، وتجاهل قضية القدس ولم يشجب أعمال الاستيطان أو يدعو لوقفها (؟!).
أكثر ما يهمنا أيضاً، أن تكون «قنوات التعبير عن مواقف الدولة الأردنية» سالكة ومفتوحة على بعضها البعض، ومتناغمة مع بعضها البعض، ومكملة لبعضها البعض...من دون ذلك نكون قد زدنا الطين بلّة، وزدنا الحائرين في فكفكة الطلاسم ، حيرةً وارتباكاً.
المصدر: جريدة الدستور الأردنية 22/5/2011