القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

حق العودة .. بين مناهجنا الفلسطينية والمناهج الإسرائيلية

حق العودة .. بين مناهجنا الفلسطينية والمناهج الإسرائيلية

بقلم: أ.غسان ذوقان*

ما أجمل أن يعود الإنسان بين فترة وأخرى إلى ذكريات الطفولة الأولى في المدارس وما أروع أن تبقى العديد من القصائد والأناشيد والدروس الأولى التي تلقنها وحفظها في المرحلة الابتدائية عالقة في ذاكرته حتى سن متقدمة.

لا أزال حتى الآن أتذكر أنشودة بلادي بلادي أنا أهواها بلادي بلادي أنا أفديها... وما زال درس يافا عروس البحر يخترق جدار النسيان...لا بل أجمل من ذلك كله درس كنا نستمتع به ونقرأه بشموخ وصوت طفولي مرتفع رغم حداثة سننا آنذاك... إنه درس" لعينيك يا أبا محمد"، الذي حدثنا قصة البطل الفلسطيني "أبو محمد" الذي كان يعمل سائقا على حافلة بين نابلس والقدس أيام الانتداب البريطاني والذي أجبره جنود الانتداب البريطاني عند حاجز "عيون الحرامية" في طريق رام الله على تفريغ حافلته من الركاب العرب وصعد مكانهم جنود بريطانيون وطلبوا منه أن ينقلهم إلى ساحة المعركة مع الثوار في أحراش يعبد، فما كان من أبي محمد آنذاك وبعد أن أدرك الهدف، وبعد أن وصل إلى أعلى قمة في جبال اللبن إلا أن هوى بحافلته وحمولته من جنود الانتداب البريطاني إلى أسفل الوادي ليرتقي شهيدا ويحفظ دماء أبناء شعبه من الثوار ضاربا أروع الأمثلة في عشق الأرض والدفاع عن الوطن.

الأرض؟ الوطن؟ البلاد الحبيبة؟ يافا، حيفا،اللد،الرملة، وغيرها.. من مدننا وقرانا السليبة أين هي في مناهجنا الفلسطينية وكيف يتم تقديمها لأطفالنا وأبنائنا اليوم؟

لقد انتابني الذهول وشعرت بخيبة أمل لا توصف من حجم التلاعب بهذه المناهج لأغراض ربما يعلمها البعض عندما ذهبت في إحدى زيارات الإشراف التربوي لأحدى المدارس في مدينة نابلس حيث بدأت المعلمة في أحد الصفوف الابتدائية حصتها بمقدمة رائعة عن الأرض وأهميتها وذلك استنادا للمقرر الذي بين يديها لدرس بعنوان "أي الدروس أحب إليك" بعد المقدمة طلبت المعلمة من التلاميذ فتح كتبهم للقراءة المفاجأة الكبرى التي أربكت المعلمة أنه لا يوجد في كتب التلاميذ وتحت نفس العنوان أية إشارة للأرض وأنها كنز عظيم يجب الحفاظ عليه والتمسك به . بعد التدقيق وجدنا أن النسخة التي بيد المعلمة هي طبعة عام 2000 أم النسخة الموجودة بيد التلاميذ فهي طبعة عام 2004 حيث شطبت من الدرس الفقرة الخاصة بالأرض ؟؟

إن المتفحص لمناهجنا الفلسطينية سواءً كتب التاريخ منها أو التربية الوطنية أو التربية المدنية أو الجغرافيا وحتى كتب التربية الإسلامية ل يجد أية إشارة على الإطلاق تشير إلى حقنا التاريخي في فلسطيننا الحبيبة والسليبة داخل الخط الأخضر ولا توجد كذلك أية إشارة إلى حق العودة إليها أو حتى شرح أمين لمأساة النكبة وما ترتب عليها من إقامة للكيان الصهيوني على أنقاض بيوتنا وحاراتنا ومدننا السليبة؟

خلاصة القول في هذا الجانب لا بد من القول بأن أجيالنا الحاضرة تتعرض وبشكل ممنهج وتحت مسميات السلام الوهمي إلى تغييب كامل للوعي ومحو شامل للذاكرة من خلال مناهج أفرغت من محتواها الأصيل ؟

أما على الجانب الآخر أي بالنسبة لمناهج التعليم الإسرائيلية فالأمر مختلف تماما فلا يكاد يخلو كتاب مدرسي واحد في كل المراحل التعليمية من الحديث عن العودة إلى "أرض الميعاد" كما يزعمون، وزرع هذه الفكرة المزيفة في عقول أبنائهم يبدأ من مرحلة الروضة حتى المرحلة الجامعية، ففي الوقت الذي تشطب كل إشارة حقيقية للتمسك بالأرض من مناهجنا، تعمل المناهج الإسرائيلية على تحقيق "المشروع القومي لليهود" في فلسطين من خلال تنمية الارتباط النفسي والعاطفي بالأرض والتعلق بها، بل والارتباط المادي أيضاً بالأرض من خلال الاهتمام الكبير بالزراعة وضرورة التشبث بالأرض، يكفي أن نشير إلى نصٍ توراتي واحد يقدم إلى تلاميذهم ضمن الكتب المدرسية حيث يقول النص "يتساءل الربانيون عما تراه تكون مساحة الأرض التي اضطجع عليها يعقوب فيقول الرابي اسحق بأن الواحد القدوس، تبارك اسمه لفلف أرض كنعان كلها وصرها ثم وضعها أمام أبينا يعقوب لكي يريه سهولة الاستيلاء عليها بواسطة المنحدرين من نسله"، وفي نص آخر تتضمنه كتب تلاميذهم "خلق آدم من تراب أرض إسرائيل".

هكذا هي مناهجهم الدراسية وتلك هي مناهجنا التي يتبارى بعضنا في حذف كل ما يمكن حذفه منها من آيات قرآنية أو نماذج أدبية ذات بعد وطني أصيل.

* أستاذ التربية وعلم النفس في جامعة النجاح الوطنية- نابلس

المصدر: مجلة العودة، العدد الـ62