القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

حق العودة في الايديولوجية الصهيونية



سوسن كعوش || شبكة - لاجئ نت

من سوء حظ الحركة الصهيونية ومشروعها المادي «إسرائيل» أن الحرب التي اندلعت عام 1947 وأعلن في أثرها عن قيام تلك الدولة البغيضة لم تكن صفحة منتهية، وإنما كانت صفحة البداية لصراع سيستمر طويلاً ويعود ذلك بالأساس إلى أن الأسطورة لم تتوافق مع الوقائع في حين تناقضت الأيديولوجيا مع الحقائق السياسية والاجتماعية.

فهذه الأرض المقدسة التي دارت عليها الحرب لم تكن «أرضاً بلا شعب» وبالتالي لم تستقبل «الشعب الذي بلا أرض» بالأحضان وأكاليل الغار، وهؤلاء الذين قذف بهم في المنافي وتحولوا إلى لاجئين لم يموتوا ولم ينسوا فبقيت حقيقة وجود الشعب الفلسطيني واستمرار هذا الوجود بصمود منقطع النظير، الدليل الأقوى على سقوط الأسطورة، وعلى فشل المشروع الصهيوني من الوصول إلى نهاياته، والدليل الأكثر قوة على استمرار الصراع واشتعاله، رغم أن واقع اللجوء بحد ذاته، ومأساة الشعب الفلسطيني بقيت من جهة أخرى ماثلة بقوة كدليل على بؤس المشروع العربي وبقيت المخيمات البائسة ماثلة دائماً تذكرنا بالهزيمة وتعيد إشعال المرارة دائماً. وهذا ما يقودنا الى حقيقة لا يمكن انكارها، انه بدون حل جذري لمشكلة اللاجئين فلن يكون هناك اي حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

يعتبر الإسرائيليون أن ما حدث عام 1948 هو مسألة منتهية وبالتالي فإن نتائج حرب 1967 هي موضوع منفصل، ويتحدد هذا الموقف من خلال الرواية الرسمية لأحداث 1948 وما قبلها وما بعدها، لذلك فإنها قامت ومنذ البداية بإقصاء كلمة العودة من قاموسها (ماعدا طبعاً ما يخص القانون الملفق لعودة اليهود) ليحل مكانها مصطلح «الدمج والتوطين» الذي دأبت في المقابل الحكومات العربية ومنظمة التحرير والشعب الفلسطيني على رفضه متمسكين بـ (حق العودة) الكاملة اللاجئين. الفلسطينيون بدورهم يعتبرون أن حلاُ نهائياً لا يمكن أن يكون مرضياً دون أن يعالج جذرياً نتائج حرب 1948، والتي عنوانها الأساسي هو اللاجئين، والحل هو القبول الإسرائيلي الحاسم والواضح بـ (حق العودة) للفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها عام النكبة. يمكن القول بالمجمل أن الموقف الاسرائيلي من مسألة اللاجئين يرتكز على أربعة عناصر شكلت ثوابت هذا الموقف منذ 1948 أولها أن قضية اللاجئين ليس لها خصوصية وأنها نتيجة طبيعية للحرب، والمعروف أن أصواتاً إسرائيلية بالذات (المؤرخون الجدد مثلاً) (دون الحديث عن حركة ما تزبن الضد صهيونية، ودون الحديث أيضاً عن الرواية العربية لما حدث) خرجت لتكذب هذه المقولة المتضمنة في الرواية الرسمية الإسرائيلية، وقد قدم بني موريس – مثلاً (وهو مؤرخ دأب باستمرار على تأكيد صهيونيته)، قراءة جديدة لتاريخ «إسرائيل» الرسمي اعتماداً على ما تم الكشف عنه في الأرشيف، أظهرت بوضوح عمليات الطرد المنظم والمقررة سلفاً التي قامت بها الحركة الصهيونية ضد الفلسطينيين.

المرتكز الثاني فهو أن مشكلة اللاجئين هي من صنع العرب لأنهم اعتدوا على إسرائيل، وناتجة عن العمليات الحربية للجيوش عام 1948 ومن دعوة القيادات العربية للسكان الفلسطينيين إلي مغادرة قراهم لتسهيل تقدم القوات، واليوم بعد ستين عاماً على النكبة، تكشف الملفات ذاتها التي درسها المؤرخون الجدد كذب هذا الادعاء، كما تقول روز ماري صايغ، أن الإعلام الإسرائيلي في نيويورك هو الذي اخترع أسطورة أن الفلسطينيين غادروا بلادهم بناء على أوامر الزعماء العرب، عندما كانت «إسرائيل» بحاجة إلى كسب ثقة الأسرة الدولية،، ولكن الأدلة الوثائقية لم تدعم قط مثل هذه الأسطورة، إذ تؤكد الوقائع أن الأوامر الصادرة بالراديو من قبل الهيئة العربية العليا في دمشق مطلع القتال (وهي محفوظة لدى هيئة الإذاعة البريطانية) كانت تطلب من الفلسطينيين البقاء في بيوتهم، بل أن المفتي الحسيني طلب من مصر إلغاء التصاريح للفلسطينيين لكي يبقوا في أرضهم.

المرتكز الثالث: هو أن العرب يتعمدون إدامة مشكلة اللاجئين ويستخدمون الفلسطينيين سلاحاً في صراعهم مع إسرائيل، ولكن هذه المقولة تسقط أمام الوقائع، فمن جهة، قامت «إسرائيل» عبر اقتلاعها للفلسطينيين من بلادهم بخرق القانون الدولي بإجبار الدول العربية المجاورة وهي دول ذات سيادة على استقبال لاجئين من غير رعاياها بقوة الأمر الواقع، وهي التي تصر على إدامة هذه المشكلة برفضها المستمر لعودة هؤلاء إلى أرضهم، ومن جهة أخرى يتجاهل هذا الزعم موقف الفلسطينيين أنفسهم الذين يصرون على العودة إلى وطنهم ويصرون على أن صفة لاجئين التي يحملونها هي صفة مؤقتة تنتهي بالعودة وليس بالتوطين كما تحاول «إسرائيل» وأمريكا.

ورابعا: هو أن اللاجئين «عرب ببساطة» وأن العرب يملكون من الموارد ما يكفي لاستيعابهم وتوطينهم في بيئة مشابهة لبيئتهم الأصلية وإطار ثقافي اجتماعي مماثل. تتناقض هذه المقولة على مستويين أولهما عربي، إذ ما الذي يجبر الدول العربية وهي دول ذات سيادة على تحمل أعباء إضافية لاستيعاب لاجئين من بلد آخر تحت تأثير قوة الأمر الواقع مما يشكل خرقاً لسيادة هذه الدول، بغض النظر عن الموضوع القومي فالمسألة هنا هي قضية قانونية تتعلق بحق الفلسطينيين وليس بواجب العرب.

وثانيهما أنه حتى لو وافقت الدول العربية على هذا الخيار فإن الفلسطينيين لن يوافقوا بالتأكيد. ومن الواضح وجود شبه إجماع فلسطيني سياسي وشعبي على رفض التوطين، والتمسك بـ (حق العودة) وفي ظل حالة الرفض الفلسطيني فإن أي موافقة عربية على التوطين ستخلق حالة من التوتر بين الطرفين وهو أمر لمصلحة «إسرائيل» بالطبع فما الذي تريده الدولة العبرية أكثر من إشغال العرب بمشاكل داخلية تضع مشكلتهم مع الإسرائيليين على الهامش. (حق العودة) الوارد في القرار رقم 194، ثابت في القانون الدولي حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13منه:
  1. لكل إنسان حق حرية الانتقال والسكن ضمن حدود كل دولة.
  2. لكل إنسان حق مغادرة أي بلد، والعودة إلى بلده.

ولهذا أهميته ربطاً بالميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 الموقع من قبل «إسرائيل» الذي يستمد سلطته من الإعلان الآنف الذكر. وقد أعادت الجمعية العامة سنة 1974 ومن خلال قرار الجمعية العامة رقم 3236 التأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وقد اكتسب القرار 194 نفوذاً ملزماً، إذ عاد المجتمع الدولي مئة وعشر مرات على مدى خمسين عاماً ليؤكد عليه مما أعطاه كما قلنا الإلزام نظراً لحيازته على إجماع دولي مستمر.

على الرغم من هذا الإجماع وحزم الموقف الدولي إلا أن «إسرائيل» دأبت عملياً على رفض هذا القرار وعرقلة تنفيذه، عملياً لم تكن «إسرائيل» تصوت ضد القرار كل مرة يعاد التأكيد عليه وإنما كانت تكتفي بالامتناع عن التصويت ويعود ذلك إلى أن الأمم المتحدة اشترطت عدم اعتراض «إسرائيل» على القرار لقبول ضمها إليها، وقد تغير الموقف الإسرائيلي بعد اتفاقات أوسلو التي أرجأت حل مشكلة اللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي وحولتها بالتالي إلى مشكلة بين طرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) وليست مشكلة دولية، وهذا التحول جرى أيضا على موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي كان مندوبها يبادر في كل انعقاد للجمعية العمومية إلى تقديم مشروع قرار يؤكد على الـ (194) ولكن بعد أوسلو حصل تحول جذري بتصويت أمريكا تماماً كما «إسرائيل» ضد هذا القرار. 

ولعل أكثر الأسس التي تعتمد عليها «إسرائيل» في رفض تطبيق القرار194 هو الأساس الأمني- الديمغرافي، حيث يرى هؤلاء أن تطبيق (حق العودة) يشكل خطراً على وجود «إسرائيل» كونه سيرفع بشكل كبير كثافة السكان العرب، وطبعاً هذا الخطر المزعوم ناجم عن طبيعة الدولة العبرية باعتبارها دولة لليهود والمشكلة ليست في هذا (الخطر) وإنما في إصرار «إسرائيل» على أن تعيش كدولة غير طبيعية تعتمد على الأسطورة والدين. اما كيف ينظر الفلسطينيون الى حق العودة والى القرار الدولي الشهير فهذا ما سنجعله مقاربتنا في المرة المقبلة.