حق العودة !
حلمي الاسمر
تسرح وتمرح إسرائيل في فلسطين، وتقضم وتهضم الأرض، تحول المساجد إلى خمارات ومتاحف، احتلت المسجد الإبراهيمي، وها هي تعيد التجربة مع المسجد الأقصى، قيادات فلسطين «التاريخية» مشغولة بعد المصاري، وبطاقات الـ في آي بي، وتصفية حساباتها الشخصية مع بعضها البعض، وحين يتحدث البعض عن «المصالحة» يقصد إعادة إدخال غزة تحت عباءة الاحتلال المباشر الفظ، واعتقال «حماس» وقادتها وكل من يصلي لربه، والدول العربية منشغلة بهمومها الداخلية، ولا تجد وقتا لا لفلسطين ولا للأندلس، وفي الأثناء تضيع فلسطين وتختفي شيئا فشيئا، ويتحول «حق العودة» إلى أنشودة لأولاد المخيمات والشتات، الذين تتقاذفهم الملمات والأزمات والاتهامات (البحث عن وطن بديل، ضيعوا بلادهم، باعوها، يبحثون عن مصالح مادية وجنسيات غربية، مطلوب منهم أن يبقوا شحادين ينتظرون حصة ألغيت أصلا من الأونروا: زيت وطحين، وبقجة ملابس مستعملة في الشتاء!) لا يكاد يريدهم كثير من العرب والعجم أيضا، لأنهم يذكرونهم بأكثر القصص مأساوية في التاريخ المعاصر، وبمسؤوليتهم عنها، أما إسرائيل فتحلم برميهم في البحر، وها هي ابتدعت أخيرا قصة «اليهودي اللاجىء» للتغطية على مأساتهم، بزعم أن لدى اليهود أيضا لاجئون فروا من البلاد العربية، ومن حقهم «العودة» إليها أو التعويض، أملا في تمييع قصة اللاجىء الفلسطيني، المايعة أصلا، والمهمشة، والمنسية!
حق العودة، كما يقولون مقدس، وهذه كذبة إعلامية، فهو لم يعد كذلك، إلا في دروس الإنشاء، إن بقي متسع في هذه الدروس لمثل هذا الكلام بعد «تطوير المناهج!»، حسب علمي، لا يوجد فلسطيني واحد لا يحلم بالعودة، بل إن الجيل الجديد جدا الذي لم ير فلسطين، يحلم بهذا الحق أكثر من آبائه، وحين يجاهر بفلسطينيته يُتهم بالعنصرية، وحين يخفيها تأدبا مع الجنسية التي يحملها يُتهم أيضا بأنه تخلى عن فلسطين، ويبحث عن وطن بديل، مطلوب منه أن يكون في الضفة الثالثة، أو في النصف الثالث أو اللامكان!
أيها العرب، يا من أضعتم فلسطين، وخضتم الحرب من أجل تحريرها ولم تفلحوا، إن كنتم فعلا لا تريدون رؤية الفلسطيني إلا في بلاده، وعلى ثرى أرضه، فخلوا بينه وبين عودته، وأعينوه عليها، كي يمارس حق عودته منذ الغد، أو فلتصمتوا، ولتكفوا عن جلده صباح مساء، فهو يريد العودة، وانتم تمنعونه من هذا الحق قبل إسرائيل!
المصدر: جريدة الدستور الأردنية