القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

حق العودة

حق العودة

بقلم: محاسن الإمام

هؤلاء الناس المنتشرون في هذا العالم، والذين خرجوا من وطنهم طواعية أوقسراً، واستقروا في دول عربية أو أجنبية لضمان استمرارية الحياة وتجنسوا بجنسيتها، أولئك البشر الذين فاق عددهم عن أحد عشر مليوناً، المنتشرون على هذه الأرض، سمعّوك وأنت تسلب حقهم في العودة، إلى أرضهم وشعبهم وناسهم، لهم أقارب وأخوه وأمهات وآباء وأجداد ولدوا على تلك الأرض، وفي زمهرير شتاء 87، خرجوا من قلب العواصف وبثّوا الدفء في الوطن الكبير، وتقدموا بحجاراتهم وكوفياتهم وغضبهم العظيم نحو الآلة العسكرية، تقدموا نحو الوطن القريب البعيد، نحو الحلم الذي كان مستحيلاً، والمستقبل المفتوح على بحر يافا، اقتحموا عيوننا وأجسادنا وخوفنا وانكساراتنا، وفاجؤنا حاملين الدهشة في أيديهم، وفجروها في وجوهنا... وتعملقوا فوق واقع الاحتلال، واجتازوا حدوده، وامتدت قاماتهم العملاقة...وهتفوا بصوت قوي جلجل صفحات الجرائد وشاشات التلفزة الأجنبية قبل العربية، وفجروا كاتم الصوت المصوبة على الرؤوس، واحتلوا الشارع، وقالوا لسنا وحدنا، وانما كل العواصم السريّة، تتدرب على كسر الخوف والبؤس، وقيود آخر الجلادين، وابتكروا فنون القتال، وآمنوا أن حصاد البذور آتٍ...

بلغة جديدة لغة الطفلة البريئة وهي تطرح الأسئلة عن وطن اسمه فلسطين، وعن قدس الأقداس لا تعرف شرقيّة ولا غربيّة، إنماتعرف تماماً أن هناك أرض لها، وشعب هو أهلها، وأن هتافها ولو من بعيد سيوقظ الحلم الدفين في أرجاء بيت جدها القديم على جبل الزيتون...وتتمنى أن لا يطول الفراق وتعود لزيارة الأحباب، ويُكسر ذاك الجدار اللعين كما تحطم جدار برلين...وأن تزول الأحزان، وأن تفخر بهويتها... «أنا فلسطينية»، وهويتي لم تعد هي العذاب والألم، وأن تسرد الحكايات التي روتها الجدات عن وطن سُرق ونهب، وأن يُزهِر الغد حقلاً من البَسمات، وتذوب العذابات، وتشدوا وأترابها غنوةَ الفرح، وأن تُفتح الأبواب الموصدة، ويأتي الصوت بأغانٍ من الجيران، ويزداد الحنين ويصفوا الزمان ويعود كل مشرد، ومهاجر ومَن في الشتات، الى مدنهم وقراهم وبلداتهم، ويعبرون الجسور الى الأهل دون حواجز ولا طوابير.

فهم لم ينسوا يوماً وطناً، فوميضه يشع في الأحداق، ولن تثنيه عذابات الغربة المُرة، وما زال وميض الرفض والإصرار والثورة يتأجج في نبضاته، وإن طعنوه في حقه، فهم الهائمون في صحراء التيه وستلفهم الرٍِمال الى أن يقرّوا بحق وعدالة القضيّة... فالقدس عربية وحق العودة لن يتنازل عنه الملايين، ومعهم نردد ما قالوه لنا من وراء النهر...الله يرد غربتكم.

المصدر: جريدة الدستور الأردنية