القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

حقيقة صمود المقاومة في غزة

حقيقة صمود المقاومة في غزة

بقلم: د. هاني البسوس

لقد أصبح قطاع غزة شوكة صلبة في حلق جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا يستطيع أن يبتلعها أو أن يتخلص من الألم المتواصل الذي تتسبب به، ولقد أضحت غزة حالة دراسية خاصة للأكاديميات العسكرية والكليات الحربية في العالم، فما أن تغرب الشمس حتى تُضيء صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من غزة سماء فلسطين المحتلة، وحين يخيم الظلام ويُسدل الليل ستائره تصبح غزة تهاجيد وتسابيح المفكرين والكُتاب، وحين يبزغ الفجر ستغرد طيور الحرية في سماء هذا القطاع، ويعلو صوت الفرح والانتصار.

تبلغ مساحة قطاع غزة 365كم مربع (1.33% من مساحة فلسطين التاريخية)، ويبلغ عدد سكان القطاع 1.820.000 نسمة حسب أخر إحصائية لعام 2014م، ويُعتبر القطاع من أكثر الأماكن السكانية كثافة في العالم، وتتمركز فيه العديد من الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال، أهمها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي اللتان تتصدى عناصرهم لقوات الاحتلال في المعركة الحالية في غزة. ويعيش سكان غزة حالة من الحصار المتواصل منذ عام 2007م مما أدى إلى إنهاك الاقتصاد الوطني وإعياء المجتمع الفلسطيني والتأثير السلبي على معظم مناحي الحياة، خاصة الجوانب الإنسانية، ومع ذلك ما فعلته فصائل المقاومة الفلسطينية -انطلاقا من غزة- لم تفعله الجيوش العربية، فلم يجرؤ أحد على قصف تل أبيب ومدن وبلدات الكيان الإسرائيلي، ولم تستطع الطائرات الحربية التابعة للجيوش العربية أن تُحلق في سماء الكيان، بينما حلقت طائرات حركة حماس الاستطلاعية، ولقد خاض مقاتلو حماس معركة شرسة داخل قاعدة زكيم البحرية الإسرائيلية المحصنة عسكرياً في ظروف صعبة ومعقدة.

معركة الجُرف الصامد

منذ بداية العام 2014م والحديث في الشارع الفلسطيني عن قُرب اندلاع حرب جديدة على غزة يزداد، خاصة مع تهديد رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" للفصائل الفلسطينية، وتحذيرها من التصعيد، وتحديد إذاعة الجيش الإسرائيلي لبنك الأهداف التي سيتم استهدافها في أي حرب قادمة مع المقاومة الفلسطينية في القطاع، و بالفعل شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثامن من يوليو/تموز حربها الثالثة على قطاع غزة، وعلى عكس سابقاتها (2008 و 2012)، تبدو هذه الحرب الأكثر شراسة وعدوانية، حيث بدأتها القوات الإسرائيلية من حيث إنتهت في حرب عامود السحاب عام 2012م باستهداف بيوت المدنيين.، لقد أطلقت القوات الإسرائيلية على هذه الحرب اسم (الجُرف الصامد) ما يحمل دلالات على قسوة وعمق العمليات القتالية وإطالة أمد المعركة.

لم تستطع فصائل المقاومة الفلسطينية الصمت على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وقامت بالرد، وقصف البلدات الإسرائيلية وبعض مواقع الجيش الإسرائيلي، وفي إطار الرد المتبادل بين الطرفين تزايدت حدة الأوضاع، خاصة أنها أدت إلى وقوع إصابات وقتلى في صفوف الإسرائيليين، واستهداف مئات المنازل الفلسطينية ما أوقع حوالي مائتي شهيد في غضون أسبوع، هذا يعني أن كرة الثلج تدحرجت بالفعل وشكلت كارثة إنسانية أصابت قطاع غزة خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية التي من المفترض أن تزداد، خاصة أن هناك تهديدات حقيقية بحرب برية ،واجتياح لقطاع غزة إذا لم يتم التوصل إلى تهدئة، و في المقابل الفصائل الفلسطينية أمطرت البلدات والمدن الإسرائيلية بمئات الصواريخ في معركة تختلف عن سابقاتها، لكن في جميع الأحوال لن تُقدم القوات الإسرائيلية على اجتياح كامل لقطاع غزة، ذلك لأن جيش الاحتلال يعلم أنه سيكون على موعد مع حرب استنزاف طويلة في القطاع.

لم تستطع قوات الاحتلال تحقيق إنجازات أمنية في عملياتها العسكرية الحالية على غزة، حيث نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في التمويه والاختفاء بعيدًا عن مرمى نيران قوات الاحتلال التي لم تصل إلى مخازن الأسلحة أو منصات الصواريخ بعيدة المدى، التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية لقصف المدن الإسرائيلية، كذلك لم تستطع القوات الإسرائيلية اغتيال أي من الشخصيات القيادية الفلسطينية كما هددت، خاصة أعضاء المكتب السياسي والمجلس العسكري لحركة حماس. لذلك لجأت قوات الاحتلال لقصف منازل المواطنين، ومزارعهم، ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا، خاصة من النساء والأطفال، وإن لجوء سلاح الجوي الإسرائيلي إلى استهداف منازل المواطنين مخالف لكل المواثيق والقوانين الدولية ويدلل على إفلاس قوات الاحتلال وفشلها الأمنى. ويمكن تفسير هذه الخطوة بالتالي:

1. الفشل الأمني الإسرائيلي باستهداف شخصيات قيادية في فصائل المقاومة الفلسطينية، والفشل في العثور على مخازن الأسلحة، ومواقع الصواريخ في قطاع غزة، بالرغم من كل الإمكانيات الاستخباراتية والعسكرية التي تتمتع بها قوات الاحتلال.

2. الضغط على المجتمع الفلسطيني من خلال قصف المدنيين كوسيلة لتركيع فصائل المقاومة حتى تعطي تهدئة مجانية.

3. قتل أكبر عدد من الفلسطينيين لإشباع رغبة المجتمع الإسرائيلي في الانتقام.

هكذا تعتبر هذه الحرب الأكثر شراسة على قطاع غزة، وذلك لاستعادة قوة الردع التي فقدتها القوات الإسرائيلية في عدوانها نهاية عام 2012م حيث تمكنت فصائل المقاومة - خاصة حماس والجهاد الإسلامي- من كسر إرادة الجيش الإسرائيلي والنيل من كرامة الحكومة الإسرائيلية، واليوم تجسد الفصائل الفلسطينية تلك المعادلة الأمنية الجديدة التي صنعتها واستطاعت من خلالها أن توحد الشعب الفلسطيني وتجسد الوحدة الوطنية، حيث الانسجام والتناغم شعبياً وفصائلياً في هذا الوقت.

هذه الحرب تُعيد الاعتبار والثقة للذات الفلسطينية وتدلل على تطوير إمكانيات المقاومة المسلحة والإبداع في أشكالها من خلال العمليات النوعية التي قامت بها.

العمليات الميدانية

لقد استطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية اختراق الكيان الإسرائيلي براً وبحراً وجواً في عمليات نوعية ومفاجآت لم تخطر على بال الإسرائيليين لتحطم بذلك قوة الردع لدى الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر من أقوى الجيوش في العالم وتكسر هيبة الحكومة الإسرائيلية أمام مواطنيها. فقد أثبتت تلك الفصائل القدرة على مواجهة العدو الإسرائيلي وضرب تل أبيب والقدس وحيفا وغيرها من المدن الإسرائيلية بصواريخ محلية الصنع رغم قلة الإمكانيات وتشديد الحصار المفروض على القطاع. فلقد اكتسبت الفصائل الفلسطينية الخبرة الكبيرة من المعارك الماضية مع قوات الاحتلال وأخذت كافة الاحتياطات الأمنية اللازمة.

ومن نماذج العمليات النوعية التي قامت بها حركة حماس، عملية "زكيم" البحرية حيث قامت وحدة خاصة من كتائب الشهيد عز الدين القسام باقتحام قاعدة زكيم العسكرية التي تبعد أكثر من 15 ميل بحري من حدود قطاع غزة والواقعة تحت مراقبة أمنية مشددة، كذلك تصدي فصائل المقاومة الفلسطينية لقوة خاصة من قوات النخبة البحرية الإسرائيلية وإيقاع إصابات في صفوفها حيث حاولت التسلل من بحر السودانية شمال قطاع غزة للقيام بعملية في القطاع بتوجيهات من أعلى المستويات السياسية في الكيان الإسرائيلي. بالإضافة إلى قصف المقاومة الفلسطينية لمعظم المدن والبلدات الإسرائيلية وفرض حالة من الشلل في الحياة العامة في الكيان حيث يقبع في الملاجئ أثناء قصف المقاومة الفلسطينية حوالي خمسة مليون إسرائيلي. ولقد كانت المفاجأة صباح اليوم السابع للعمليات القتالية حيث تمكنت كتائب القسام من تسيير أكثر من طائرة استطلاع من قطاع غزة إلى سماء تل أبيب والمدن الإسرائيلية في خرق للمنظومة العسكرية للقوات الإسرائيلية، خاصة أن هذه الطائرات تم إنتاجها على أيدي مهندسين تابعين لحركة حماس في قطاع غزة رغم قلة الإمكانيات والحصار المتواصل، ولازالت المفاجآت تتوالى.

لقد فشلت القوات الإسرائيلية في اتخاذ قرار الحرب البرية على غزة خشية من الثمن الذي ستدفعه هذه القوات على أيدي عناصر المقاومة في غزة، فلقد أفقدت الفصائل الفلسطينية قوات الاحتلال صوابها وجعلتها في حيرة من أمرها، فلا أهداف ولا قدرة للعودة عن الحرب بدون إنجازات أمنية.

عوامل الصمود

لقد استفادت فصائل المقاومة الفلسطينية من العمليات العسكرية السابقة، خاصةً حربي 2008م و2012م على قطاع غزة، واعتمدت على الذات في تجسيد الهوية الفلسطينية والشخصية المقاومة خاصة أن غزة عاشت سبع سنوات تحت الحصار الإسرائيلي وإغلاق معبر رفح، شريان الحياة الوحيد للغزيين، ما أدى إلى صعوبة في توفير الحد الأدنى للحياة الإنسانية الكريمة للمواطن وتوفير الخدمات العامة اللازمة للمجتمع الغزي بأكمله من صحة وتعليم وشئون اجتماعية وبنية تحتية ...إلخ.

مع ذلك استطاعت الفصائل الفلسطينية تصنيع السلاح بتقنيات عالية الجودة تغلبت فيه على القبة الحديدية الإسرائيلية التي تتغنى بها دولة الاحتلال وتعتبرها من إنجازات العصر الحديث، وتمكنت المقاومة من تخزين الأسلحة (التقديرات حوالي 12000 صاروخ وخط الإنتاج مستمر حوالي 30% منها طويلة المدى) رغم محاولة المخابرات الإسرائيلية توظيف طاقاتها الكاملة لجمع معلومات كاملة عن عمل فصائل المقاومة وتحركات قادتها العسكريين والسياسيين. كما استطاعت المقاومة بالتنسيق مع وزارة الداخلية الفلسطينية عقب حرب عام 2012م تنظيف المجتمع الغزي من العملاء، وانعدام التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال. بالإضافة إلى قوة المقاتل الفلسطيني التي تعدل أضعاف قوة المقاتل الإسرائيلي (حيث ظروف العمل والقتال أصعب جداً على الجانب الفلسطيني منه على الجانب الأخر)، حيث الجُرأة التي امتزجت بالمصداقية والانتماء الحقيقي للمجتمع الفلسطيني وتغليب الروح الوطنية.

إن هذه الحرب وهذا العدوان الإسرائيلي (الجُرف الصامد) سيكون له تداعيات سياسية وأمنية ونفسية سلبية على المجتمع الإسرائيلي وقد يؤدي إلى سقوط حكومة الائتلاف التي يتزعمها نتنياهو والدعوة لانتخابات مبكرة قد تؤدي إلى خسارة حزب الليكود والخروج من اللعبة السياسية. هذه هي المرحلة المناسبة التي ستؤسس من خلالها المقاومة الفلسطينية مرحلة جديدة في تاريخها من خلال فرض شروطها على الجيش الإسرائيلي.

المصدر: فلسطين أون لاين