حل الدولتين حقنة (بنج)
بقلم: أيمن أبو ناهية
عشية استقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما مسؤولي دول مجلس التعاون الخليجي
في قمة خليجية – أميركية بـ(كامب ديفيد) حرص الرئيس الأميركي على توضيح رؤيته بشأن
العلاقات الإستراتيجية وأمن المنطقة، أنه لن يتخلى عن الأمل في حل الدولتين وإنهاء
الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الطريق لإنهاء هذا الصراع لا يزال شاقًّا
وطويلًا.
فقبل شهر أصر أوباما على حل الدولتين، وذهب إلى أبعد من هذا بنيته إصدار
قرار أممي بهذا الخصوص، الأمر الذي عده بعض تحولًا جديدًا على السياسة الخارجية الأمريكية
تجاه القضية الفلسطينية، التي أصبحت تحتل أولى أولويات إدارة أوباما في استيعاب حقبة
جديدة من عدم الإهمال، وعدم الانحياز لطرف الاحتلال، الذي شهدته ولايته الأولى، على
افتراض أنه لا يمكن لإدارة أوباما النجاح في ترميم الخراب الذي ألحقته إدارة بوش بالولايات
المتحدة الأمريكية إلا بالتعاطي مع القضية الفلسطينية بإنصاف وواقعية، وعدم الكيل بمكيالين،
وأن تلعب دورًا نزيهًا في مواقفها، ولا أن تنحاز إلى الجلاد ضد الضحية، بعد أن تأكد
لإدارة أوباما أن معادلة الصراع في المنطقة يصعب تجاوزها.
هل بالفعل تغيرت سياسة الرئيس الأمريكي؟، وإذا كان هذا صحيحًا فما هو السر
وراء ذلك؟، أهو حصوله على جائزة نوبل للسلام، لذا أراد أن يحمي هذه اللقب؟، أم أنه
أقدم على ذلك لغضبه الشديد من نتنياهو؛ فيريد أن ينغص عليه فرحته بفوزه في الانتخابات
الإسرائيلية؟، أم أن الرئيس الأمريكي يريد أن يغازل الشعب الفلسطيني كما غازله في خطابه
السابق بجامعة القاهرة في يونيو 2009م الذي حمل عنوان "بداية جديدة"، إذ
استبشر العرب بتغيير السياسة الأمريكية بما يخص الشرق الأوسط بصفة عامة والقضية الفلسطينية
بصفة خاصة، حين وعد بحل الدولتين ووقف الاستيطان والتهويد، لكنه لم يحسن صنعًا بتنفيذ
وعوده التي وعد بها في خطابه الذي لم يخرج عن إطار العلاقات العامة، وهو ما زاد من
عنجهية نتنياهو ومضيه في المخططات التهويدية والاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، وفرض
مزيد من الوقائع الجديدة على الأرض يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
حتى نجيب عن كل هذه الأسئلة المدهشة دعونا نستشهد بما كتبه إيان لوستيك
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، في مقال تحت عنوان: "أوهام حل الدولتين"،
نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)، شرح فيه بتفاصيل مريرة "خذلان الولايات المتحدة،
وتاريخها الطويل في التغطية على الكيان العبري، وعدم ثنيه عن نشاطه الاستيطاني، تحت
ذريعة أن عدم استفزاز الكيان سيدفعه نحو اتفاق "سلام".
ويشبه لوستيك حل الدولتين (دولة فلسطين الحيوية التي تعيش بأمن وسلام إلى
جانب (إسرائيل) آمنة) بالرجل العجوز المريض الذي يقبع على فراش الموت، في غيبوبة كاملة،
مثل دكتاتور أسبانيا فرانكو عام 1975م، الذي بقي مدة طويلة والإعلام يقول: "إنه
لم يمت بعد".
ويقول لوستيك لقرائه: "عملت في وزارة الخارجية شابًّا صغيرًا، في
سبعينيات القرن الماضي، ونبهت الوزارة آنذاك إلى أن (إسرائيل) بزعامة مناحيم بيجن لا
تريد السلام، بل إن كل ما تفعله هو مماطلة لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وعندما
جلبت انتباههم (الوزارة) أُخبرت بأن الهدف هو عدم استفزاز (إسرائيل)؛ أملاً بإقناعها
بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين".
وفيما يتعلق بإصرار العالم على التمسك بأوهام "حل الدولتين"
يرى لوستيك أن لكل طرف أسبابه الخاصة التي تجعله "يخدع نفسه" بتسويقها؛ فالسلطة
الفلسطينية _حسب رأيه_ تريد أن تقنع الفلسطينيين بأن هناك تقدمًا في تحقيق أمل الدولة؛
كي تستمر في الحصول على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي؛ لدعم أسلوب الحياة الذي ألفه
قادة السلطة، وعشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين في القطاعات العامة والشرطة والجنود،
وهيمنة السلطة على مجتمع ينظر إليها على أنها جهاز فاسد، وأما الكيان العبري فيرى أنه
يحاول إرضاء قطاعات المجتمع الإسرائيلي التي تؤمن بحل الدولتين، في حين يدرأ عن نفسه
انتقادات العالم، ويستفيد من ذلك كغطاء لاستشراء الاستيطان في الضفة الغربية الذي يدمنه.
ويوجه لوستيك جل انتقاده إلى الإدارات الأميركية المتعاقبة، التي يصفها
بالشريكة في التضليل، وغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية الفادحة، ويقول: "السياسيون
الأمريكيون يحتاجون لحجة وشعار حل الدولتين؛ لدرء اللوبي الإسرائيلي وتفادي شره، وتمويه
عجزهم المذل عن خلق أي فرق بين موقفهم، ومواقف الحكومات الإسرائيلية المتلاحق".
أعتقد أن الإدارة الأمريكية في كل مرة تجدد في نفوسنا الأمل بأنها عازمة
على حل الدولتين، الذي أصبح عبارة عن حقنة (بنج) تخدرنا بها من وقت إلى آخر حسبما تريد،
وفي المقابل تعطي الاحتلال حقنة "تنشيط" لمواصلة الاستيطان، وتفهمنا أن حل
الدولتين مصطلح جديد من صناعة أمريكية تحتكره لنفسها لتتغنى به كل إدارة في كل موسم
انتخابات أمريكية، والحقيقة أنه في الأساس قرار رسمي صادر عن الأمم المتحدة عام
1947م، الداعي في حينه لتقسيم فلسطين.
فالإدارة الأمريكية بحاجة لتقويم سياستها الخارجية تجاه القضايا العربية
والفلسطينية، وإنهاء الانحياز الأمريكي إلى الاحتلال؛ حتى نستطيع تجديد الثقة في السياسة
الأمريكية، ونتعامل معها على أنها طرف نزيه.
المصدر: فلسطين أون لاين