حلم العودة بين التسوية والمقاومة !
محمد بلّور
في مثل هذه الأيام من كل سنة
تفوح رائحة المفتاح العتيق ونعود راغبين إلى حكايات الأجداد عن وطن ضاع تحت طاولة الاتفاقيات
السياسية
الجديد المهم في الآونة الأخيرة
أن القرى والبلدات الواردة على صفحة الحكايات عادت من جديد للواجهة ولكن هذه المرة
وهي تتلقى قذائف المقاومة إيذانًا ببدء العودة.
وطوال 65 سنة استقلَّ
"حق العودة" قطار الاتفاقيات والقرارات الدولية لكن (إسرائيل) كشفت صراحةً
منذ قيامها رفضها ومحاربتها للعودة التي تعني باختصار بداية زوالها.
عملية التسوية
القابضون على بداية السلسلة
لا يعرفون نهايتها إذ أن سنواتٍ طويلة من المفاوضات مع الاحتلال لم تمنحهم شيئا حقيقيا
يكون لبنةً لإقامة الدولة الفلسطينية.
ويرى الدكتور خالد صافي الباحث
في الشئون التاريخية والحركات الإسلامية أن جميع الاتفاقيات السياسية أو الحديث عن
دولة في حدود 67 لم يتقدم إيجابيًا نحو حق العودة.
ويضيف: "كان الخطاب الشعبي
دائما أقوى من الخطاب الرسمي وأكثر تماسكا تجاه حق العودة فالاتفاقيات السياسية أدّت
لتراجع الخطاب الرسمي وتآكله".
أما الدكتور أحمد الساعاتي
أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية فيؤكِّد أن القرارات 194 سنة 1948 تحدثت عن حق
العودة للديار, لكن المادة رقم 7 تجنبت التصريح في حق الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة.
وأوضح أنه عقب سنة 1948 صدر
أكثر من 50 قرارًا عن هيئة الأمم المتحدة تحدثت عن حق العودة، مشيرًا أن سلسلة طويلة
من المشاريع السياسية أضعفت ذلك الحق المشروع.
وأبدى الساعاتي استهجانه من
حديث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي قال فيها مؤخّرا إنه: "يتفهّم رفض
إسرائيل لحق العودة".
ولعل أخطر المحطات السياسية
حسب كلام الساعاتي -علاوة على المفاوضات- هي الوثائق السِّرّية مثل "وثيقة أيالون
–جنيف- أبومازن-بيلين - -أنابوليس.." موضحًا أن تلك الجلسات كانت تدار من قبل
أجهزة مخابرات وجهات أمنية تسقط حق العودة.
ويفضِّل المحلل السياسي الدكتور
عبد الستار قاسم العودة إلى سلسلة طويلة من المشاريع السياسية, التي من أبرزها مشروع
روجرز ثم ريغن-بيغن- شارون-كلينتون-مشروع السلطة الفلسطينية ونهاية باتفاقية أوسلو
الأسوأ على الإطلاق ".
ويرى قاسم في اتفاقية
"أوسلو" بُعدًا خطيرا وجوهريا إذ أنها اعترفت بـ(إسرائيل) وذلك مفاده التخلي
عن حق العودة، ما منحها فرصة ذهبية لتصبح جزءًا حقيقيًا, منتقدًا الميثاق الوطني الفلسطيني
الذي قزّم القضية من البُعد القومي إلى الوطني.
الرابح الأكبر !
وطوال خمسٍ وستين سنة ظلّت
(إسرائيل) الرابح الأكبر من جميع الاتفاقيات السياسية والمنتصر الأوحد في الحروب مع
العرب, والمستفيدة من "الهدن " لالتقاط النفَس ومواصلة التهويد والاستيطان.
ويؤكد أستاذ التاريخ الساعاتي
أن (إسرائيل) كسبت الكثير من الاتفاقيات السياسية منذ أن اعترف بها الرئيس الراحل ياسر
عرفات مقابل اعترافها بمنظمة التحرير ونبذ المقاومة المسلحة.
ويشير أنها تفكر الآن في طرد
فلسطيني 1948 مقرّة صراحة أنها لن تسمح بعودة اللاجئين, فيما يمضي الوقت لصالحها وهي
تزيد من الاستيطان والتهويد في القدس والضفة المحتلة.
ويضيف:" يقبلون فقط بعودة
آلاف اللاجئين إلى الضفة وغزة وبأسماء هم من يوافقون عليها وذلك أشبه بقرارات لم الشمل
المعروفة قديمًا وقد طلبوا من الفلسطينيين التوقيع على ذلك الرأي, بينما الأوساط الرسمية
والشعبية في (إسرائيل) تعيش حالة إجماع على رفض حق العودة ".
وحذّر الساعاتي من خطورة ما
حملته المبادرة العربية وقرار 242 التي جسدت فلسطين كأرض وحدود فقط, بينما هي قضية
وجود شعب, وبذلك لم يعد قرار 194 الذي ينص على حق العودة نافعاً في قضية فلسطين التي
التهم الاحتلال معظم أرضها.
أما المحلل السياسي عبد الستار
قاسم فيؤكد أن الاتفاقيات والمشاريع السياسية منحت (إسرائيل) الوقت للتطبيع وإقامة
علاقات كاملة مع كثير من الدول من حولها
ويضيف: "(اسرائيل) طبّعت
مع الدول العربية وأقامت علاقات تجارية واقتصادية وبرز مثقفون من تلك الدول يهاجمون
المقاومة ويسمونها إرهاب فانقلبت المفاهيم وأصبح العدو صديقاً !".
وعلاوة على عدوان (إسرائيل)
المتجدد منذ 65 سنة وسلسلة الاتفاقيات المذلة بين العرب والاحتلال, فإن سلسلة عقبات
تقف أمام حق الفلسطيني في العودة على رأسها الموقف الإسرائيلي.
تراجع وانكماش
لا تهبُّ الرياح في السنوات
الثلاث عشرة الأخيرة دافعةً القارب (الإسرائيلي) إذ أن كثيرًا من المخاطر والعقبات
بدأت تهدد سلامة الرحلة وتنال من صفوها.
ويؤكد الساعاتي
أن المشروع الصهيوني بدأ ينكمش في ضوء متغيرات دولية وإقليمية كان آخرها انطلاق ثورات
الربيع العربي.
أما المحلل قاسم فيرجع بداية
التغير السلبي لهذا المشروع إلى سنة 2000 حين انسحبت من جنوب لبنان ومن يومها لم تحرز
أي انتصار عسكري بينما المقاومة في تقدم.
ويقول "إن ثورات الربيع
العربي التي رفعت شعار القضية الفلسطينية تحتاج إلى سنوات لكي تتمكن من تقديم شيء،
فلا ينتظر منها شيء عاجل لكن ينتظر شيء إيجابي على المدى الطويل".
أما الباحث في شئون اللاجئين
عصام عدوان فيقول :"إن التشرذم الفلسطيني وعدم تبني الأمة العربية لحق العودة
والدفاع عنه ودعمه, وعدم وجود قرارات دولية حاسمة تثبت حق اللاجئ الفلسطيني, وقفت طوال
سنوات النكبة أمام حلم العودة ".
حجارة السجيل
آخر حلقات الصراع كان في معركة
"حجارة السجيل" سنة 2012 حين انتصر الكفُّ على المخرز وتجدد الحلم بالعودة
إلى فلسطين التاريخية.
الكبار أعادوا على الصغار
والشبان تفاصيلَ بلدات وقرى قصفتها المقاومة، متفقين مع وسائل الاعلام في أنها تشكِّل
عمق (إسرائيل) ومعلّقين بمزيد من المعلومات التاريخية والميدانية التي يحفظونها.
ويؤكد الدكتور خالد صافي الباحث
في التاريخ والحركات الإسلامية أن قصف المقاومة لتلك القرى والبلدات يجدد حلم العودة
إلى فلسطين.
ويقول صافي :" عندما
تصل المقاومة تلك البلدات المحتلة سنة 1948 معناه أن الفلسطيني لم ينسَ أرضه وأن فلسطين
هي الضفة وغزة وأرض 48 وهي محاولة لربط الماضي بالحاضر والمستقبل".
أما المحلل قاسم فيقول
:"إن تمكُّن المقاومة وتطورها في حرب حجارة السجيل يؤكِّد أن المنظومة (الإسرائيلية)
أصبحت مهددة أكثر من السابق بل في طريقها للانهيار.
ويشير إلى أن المعركة تعدّت
الحدود وقصفت المقاومة تجمعات الاحتلال، وذكّرت الفلسطيني بأرضه فيما تمضي غزة نحو
مزيد من التسلح والتطور مع مرور الوقت.
ومن جهته يلفت أستاذ التاريخ
أحمد الساعاتي إلى أن معركة "حجارة السجيل" أوقعت ألمًا في الجانب (الإسرائيلي)على
الرغم من عدم تكافؤ القوة العسكرية.
وينوّه الساعاتي إلى ما يصفه
بملاحظة هامة وهي الطلب (الإسرائيلي) الأول من نوعه حين طالبت بوقف إطلاق النار وفق
شروط المقاومة مع يعني أن العودة بدأت تقترب, حسب رأيه.
ومع أهمية ما حدث في معركة
حجارة السجيل إلا أن الباحث في شئون اللاجئين الدكتور عصام عدوان يقول :"إنه لم
يكن الحلقة الأولى في التحرير نحو فلسطين".
ويضيف: "التحرير يعني
أن نكون أول من بدأ المعركة والعدو بدأ حرب الفرقان والسجيل ولم يعرف كيف ينهيها ,
المطلوب أن نبدأ الهجوم وأن نستغل الطاقات لذلك ! ".
وعلى الرغم من أن الاتفاقيات
والمشاريع السياسية منذ ضياع فلسطين سنة 1948 بدّدت حلم الفلسطيني بالعودة إلا أن مزيدًا
من المقاومة والتغيرات السياسية والميدانية من حول إسرائيل أعادت الحلم إلى الواجهة.
الرسالة نت، 17/5/2013