القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

حلم العودة في ذكرى النكبة

حلم العودة في ذكرى النكبة

بقلم: ظاهر صالح

يحيي الشعب الفلسطيني يوم ال15 / من أيار في كل عام الذكرى ال68 لنكبة فلسطين التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية عموماً والشعب الفلسطيني خصوصاً, الذي أٌخرج من أرضه ودياره قسراً خروجاً موازياً لحروج الروح من الجسد، والإنتقال من حالة الإستقرار والثبات إلى حالة اللا استقرار والشتات، وتنهال عليه النكبات ويصبج لاجئاً في البلدان، دائم التنقل والترحال وسط جراح عميقة تحمل بين طياتها ثقل التاريخ وتلاوين العذاب.

لم تكن نكبة عام 1948 وحدها المعاناة فحسب، بل كانت هي البداية لمرحلة جدبدة وانتقال من خيمة إلى خيمة اخرى، ومن مخيم إلى آخر، ترافقة صوراً من الأحداث المأساوية التي لا تسرُ الناظر إليها حين توضع أمامه بعد 68 عاماً من النكبة.

كانت فلسطين جزءاً من الامبراطورية العثمانية حتى عام 1948، وعندما سقطت هذه الامبراطورية في نهاية الحرب العالمية الأولى من عام 1920 وحتى عام 1948، تمكنت بريطانيا من الحصول على قرار عصبة الامم، وبعد ذلك من الامم المتحدة لتحكم فلسطين وتضعها تحت الانتداب البريطاني، وتبدأ مرحلة جديدة من خلال وضع الاسس لاقامة وطن قومي للبهود" في فلسطين، ووصول أول مفوض سامي بريطاني لقلسطين السير هربرت صموئيل، وتكون بذلك قد تمكنت من الوفاء بالوعد الذي التزم به بلفور وزير خارجيتها عام 1917.

استفادت الحركة الصهيونية من واقع الانتداب البريطاني وشجعت الهجرة البهودية من كل أصقاع العالم وجيئ بهم إأفواجاً إلى فلسطين، وشٌرد الشعب الفلسطيني وحُرم من العودة إلى أرضه ودياره التي طُرد منها بعد ارتكاب العصابات الصهيونية المجازر البشعة في القرى والمدن الفلسطينية، والاستيلاء على الأرض والممتلكات، والعمل على محو آثار السكان الفلسطينيين، وطمس التاريخ والجغرافيا في عملية تهجير ممنهجة واتباع سياسة "التطهير العرقي"، لأنهم كانوا يدركون أن فلسطين لم تكن أبداً (أرضاً بلا شعب)، ويعلمون أن الفلسطينيين لم يخرجوا طوعاً وبإرادتهم، بل اٌرغموا على الخروج، أضف إلى ذلك الذين هجُروا بعد هزيمة العرب في حرب الأيام الستة عام 1967، واحتلال واسع لعدد من الأراضي العربية.

تمكنت الحركة الصهيونية بدعم من الغرب الاوروبي بدايةً، ومن ثم من الغرب الامريكي لاحقاً من إقامة دولة الكيان الصهيوني صاحبة قوة عسكرية وقدرة تكنولوجية ونفوذ سياسي، وبدأت بزرع المستوطنات في الأرض المحتلة وأقامت النقاط العسكرية التي من خلالها سيطرت على كل الحدود والطرقات والشواطئ والأجواء ومصادرالمياه والطاقة، والمضي بلا هوادة في عملية تهويد القدس وإعلانها (عاصمة أبدية للدولة العبرية)، واعتبار هذا الإعتراف هو (نقطة الانطلاق في أي مفاوضات) جرت أو تجري.

هذا هوالمضمون الحقبقي للاستراتيجيات الصهيونية تجاه النكبة وقضية اللاجئين، فمنذ البدايات الأولى لنشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين في أعقاب نكبة عام 1948، تبًنت القيادات الصهيونية السياسية والأمنية تحركات ممنهجة وخطاباً اعلامياً لم يتغير حتى يومنا هذا، وهو رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين رفضاً مطلقا، والعمل على تصفية هذه القضية، لأنهم يعلمون أن حق العودة هو تهديد كيانهم، وهو محور الصراع وأساسه، وأن اللاجئين هم جوهر النكبة الفلسطينية ومضمونها ومادتها، وقضيتهم هي قضية وطن وشعب وتاريخ وحضارة وتراث وحاضر ومستقبل.

لذلك تُشكل ذكرى النكبة في العقل والوعي الفلسطيني جزءاً هاماً وعلامة مميزة في شخصيته وفي وجدانه، رغم محاولات الاحتلال الصهيوني في محو الذاكرة الفلسطينية الجماعية للنكبة، والمحاولات المستمرة والحثيثة في هذا.

لذا ظلت هوية اللاجئ الفلسطيني مرتبطة بقريته الأصلية التي هُجرمنها، وسيظل متشبثاً بحقه في العودة، ولن يفقد الأمل طالما يستنشق الهواء، وكذلك أبناءه وأحفاده من بعده.

إن اللاجئ الفلسطيني المنكوب هو السياسي والثقافي والإقتصادي، وإنه هو الأساس في الماضي واليوم والغد، فلا يمكن الفصل بينه وبين معاناة النكبات المتتالية عليه، ولن يكون هناك حلاً إلاَ بمعالجة النكبة ذاتها وحل مشكلتها، وعودة الحق إلى أصحابه.