"حماس" تُعيد
اكتشاف عباس.. وبلير يتحدث
بقلم: أحمد الحيلة *
فاوضت حركة
"حماس" الرئيس محمود عباس مراراً وتكرراً وفي محطات متقاربة ومتباعدة، وبرعاية
ووساطة عربية مختلفة منها السعودية، ومصر، واليمن، وقطر..، وبتدخلات من قوى فلسطينية
محلية مستقلة..، لإنهاء الانقسام الفلسطيني مع مراعاة الحد الأدنى المشترك الذي يحافظ
على خصوصية وبرنامج كل طرف من المقاومة إلى التسوية السياسية.
تلك الوساطات نجحت
في العديد منها في الوصول إلى اتفاقات هامة كاتفاق مكة، وصنعاء، والقاهرة، والشاطئ/غزة..،
ولكنها لم تلبت أن تعثّرت في الأشهر الأولى، نتيجة تعنت الرئيس محمود عباس في التنفيذ
ووضعه شروطاً سياسية تتماهى مع شروط الرباعية الدولية والكيان الإسرائيلي.
الشيفرة في واشنطن..
اليوم وبشكل دراماتيكي،
نطالع دورة جديدة من المفاوضات والحوارات الماراثونية، بين "فتح" و
"حماس"، هي أشبه بهجوم حمساوي لإنهاء الانقسام بكافة السبل ومهما كلّف الثمن،
ما أسفر عن اتفاق إنهاء الانقسام برعاية مصرية في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
على الرغم من الهجوم
الحمساوي الكاسح بقيادة يحيى السنوار، لم يحصل أي جديد على أرض الواقع لحد الآن، وما
زالت الأمور معلّقة على ما يُسمى تمكين حكومة الوفاق من كافة القطاعات المدنية والأمنية
في غزة التي استقبلت بدورها حكومة الرئيس عباس بحفاوة تليق بالفاتحين.
في ظل هذه المراوحة،
تعالت أصوات مستهجنة تأخر قدوم الحكومة الميمونة إلى غزة، فالناس تعيش على أمل، وقيادات
"حماس" رفعت سقفها إلى عنان السماء اتكاء على رعاية مصر الشقيقة الكبرى،
و على أبوية الرئيس محمود عباس الذي بدا في نظر البعض اكتشافاً جديداً، لم يكن منظوراً
من قبل، وكأن حماس تعرّفت عليه حديثاً وتختبره لأول مرّة..!
الإجابة
عن سبب التأخر في إغاثة الملهوفين في غزة، جاءت شَفّافة على لسان أعلى مرجع أمني لدى
سلطة الرئيس عباس، مدير جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج عندما قال: أن
"الرئيس عباس ينتظر عودة وفد المخابرات العامة الفلسطينية من الولايات المتحدة
الأمريكية، لاتخاذ القرار برفع العقوبات عن قطاع غزة".
إذن، شيفرة فك
اللغز، المعروفة للبعض، والمجهولة للبعض الآخر من المعوّلين على أبوية وعطوفة الرئيس
عباس المُكْتشَف، أصبحت واضحة ولا تحتاج إلى نقاش، فواشنطن ومن ورائها "تل أبيب"
هي من تمسك بطرف الخيط، ومن ترسم المعادلة، تأكيداً على قول سابق للدكتور موسى أبو
مرزوق بأن واشنطن رفعت الفيتو عن المصالحة الفلسطينية.
التناقض مع الذات..
إصرار البعض على
الحب من طرف واحد، إلى حد المجاهرة بدعم الرئيس محمود عباس في مفاوضاته مع الاحتلال،
بسقفه السياسي التفاوضي المعروف للقاصي والداني، والمحكوم لاتفاقيات أوسلو الفاشلة،
وللقرارات الدولية ذات الصلة وبالأخص القرار 242، يثير الاستغراب على حركة إيديولوجية
سياسية بحجم حركة "حماس" التي قدّمت نهراً من التضحيات والدماء في سبيل التمسك
بالثوابت الوطنية؛ فقد جاء على لسان القيادي في غزة يحيى السنوار في لقائه الثاني مع
الشباب في غزة (19/10): "إذا أراد أبو مازن أو فكّر أن يستند على قوتنا العسكرية
في مفاوضاته، فنحن جاهزون لدعمه، لأنه سيكسب كثيراً، وسينقل بذلك القضية الفلسطينية
إلى أفضل مراحلها"، والسؤال هنا، ما أفضل المراحل التي يمكن أن تصل لها القضية
الفلسطينية على يد الرئيس عباس، المحكوم لاتفاقيات أوسلو والقرارات الدولية التي تمنح
الاحتلال "الشرعية" على نحو 78% من أرض فلسطين التاريخية، والتي تعتبر وقفاً
مقدساً لدى الإسلاميين تحديداً؟
وهل يعني ذلك أن
"حماس" باتت مقتنعة بفشل خيار المقاومة حتى تراهن على الرئيس عباس ومسار
التسوية السياسية؟
في هذا السياق
أيضاً، وفي مقابلة مع القدس الفلسطينية (14/10)، جاء على لسان القيادي في الحركة صالح
العاروري: ".. الآن إسرائيل تتذرع بالانقسام لعدم التقدم في المسار السياسي مع
أبو مازن..، فنتنياهو يتذرع بالمصالحة (الانقسام)، ويعمل لمنعها، ومن جهة ثانية يستفيد
من الانقسام ويتذرع به، قرارنا أنه يجب سحب هذه الذريعة من يد نتنياهو وفق قرار استراتيجي
قديم وجديد، والجديد أننا نستشعر خطراً حقيقاً ضد مشروعنا الوطني"، ويضيف العاروري:
"المسار السياسي فاشل..، ولكن مع ذلك "فتح" تؤمن بهذا المسار، ويعتقدون
أن الانقسام يخدم نتنياهو في تدمير هذا المسار (المفاوضات)، ونحن لأسبابنا الخاصة في
"حماس" وهي استعادة وحدة شعبنا الفلسطيني وتقوية موقفه ومكانته، وإمكانية
أن يكون هناك زخم حقيقي في مواجهة المشروع الصهيوني نلتقي معهم (فتح) في رغبتهم في
توحيد الساحة الفلسطينية للاستفادة من الحراك السياسي لخدمة شعبنا وقضيتنا"، وهنا
يقفز السؤال، ما الذي استجد في المعطيات الإقليمية والدولية حتى يصبح دعم محمود عباس
ومساره السياسي التفاوضي خياراً يعوّل عليه؟
وهل الرئيس عباس
غيّر قناعاته السياسية، وأصبح اليوم أقرب لمواقف "حماس" تمسكاً بالثوابت
والحقوق الوطنية، أو فكّر بسحب اعترافه بشرعية الكيان الإسرائيلي، أو أعلن تمسكه بعودة
اللاجئين الفلسطينيين، كل اللاجئين إلى الأراضي التي هجّروا منها وفي مقدمتها مدينة
صفد؟!
هل الرئيس عباس
تراجع عن تجريمه المقاومة والمقاومين، وعَزَم على الاتكاء على قوة كتائب القسام والأجهزة
الأمنية في مواجهة "إسرائيل" حتى هزيمتها وركوب الصهاينة البحر إلى أوروبا
وأمريكا؟!
الثعلب البريطاني
يتحدث..
لا تخفى على عين
مراقب ثبات المواقف السياسية للسيد الرئيس محمود عباس، والتي أعاد التأكيد عليها في
خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت باتت فيه بعض الدول العربية
أكثر هرولة نحو الكيان الإسرائيلي رغبة في التطبيع والتقرّب من تل ابيب لكسب رضا واشنطن،
التي بدورها وبقيادة الرئيس ترامب منحت الاحتلال الإسرائيلي المزيد من الدعم السياسي
والتفوق العسكري.
التغير الوحيد
الذي جرى، هو سعي القاهرة مجدداً لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين "فتح" و
"حماس"، بعد الضوء الأخضر الأمريكي، ما يشي بوجود سيناريو ما يُعدّ له ويتطلب
احتواء حركة "حماس" أو إعادة تأهيلها إما لذاتها أو لتحقيق أهداف أخرى، وذلك
عبر إيهامها بإمكانية إخراجها من عنق الزجاجة (حصار غزة) دون نزع سلاحها أو مناقشة
مستقبلة الآن، شرط تمكين حكومة الرئيس عباس من غزة، تعبيراً عن رغبة أمريكية جاءت على
لسان السيد غرينبلات مبعوث البيت الأبيض للسلام، الذي أكد على أهمية سيطرة السلطة الفلسطينية
على قطاع غزة.
وبمعزل عن مناقشة
السيناريوهات المحتملة، فإن السؤال المُلِح والذي كان بحاجة لإجابة خبير هو؛ ما السبيل
لاحتواء أو إعادة تأهيل حركة "حماس" المؤدلجة، والتي صمدت أمام أعتى قوة
عسكرية صهيونية في حروب ثلاث طاحنة؟
الثعلب البريطاني
الخبير بحماس، ممثل الرباعية الدولية، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير كشف مؤخراً
(الأوبزيرفر البريطانية 15/10): "بأنه وزعماء آخرون في العالم ارتكبوا خطأً بدعم
حصار حركة حماس بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية عام 2006" وأضاف: "كان
يجب على المجتمع الدولي (جَرّ حماس إلى الحوار) بدلاً من مقاطعتها".
يبدو أن هذه الخلاصة
التي توصل إليها توني بلير مع آخرين أخذت طريقها إلى حيّز التنفيذ مؤخراً، عندما أدركوا
بعد التجربة صعوبة مواجهة حركة "حماس" عسكرياً، وبأن ما لا يمكن أخذه منها
بالقوة يمكن إدراكه بالحوار والمفاوضات، حيث يَغْلُب حسن الظن، وحسن النوايا، و ..،
عند الإسلاميين العرب عموماً، ما يُسهّل مهمة خداعهم..، وأخذهم برفق إلى حيث الموت
البطيء.
فهل يسري على
"حماس" ما سرى على غيرها من قبل، أم أنها من جنس آخر؟
* كاتب ومحلل سياسي
المصدر:
المركز الفلسطيني للإعلام