حماس تأمل ألاّ يوتّر هجوم سيناء علاقتها بمصر
بقلم: د. عدنان أبو عامر
لم يكن يوم الجمعة الماضي 24 تشرين الأول/أكتوبر في غزّة عاديّاً، فقد تداولت
الأوساط السياسيّة الأنباء الواردة من سيناء، والقائلة بمقتل 30 جنديّاً مصريّاً،
وإصابة عدد مماثل، في تفجير انتحاريّ، على موقعين عسكريّين.
وقد أدانت الفصائل الفلسطينيّة في بيانات مختلفة الهجمات التي استهدفت
القوّات المصريّة في سيناء.
وأسفر هجوم سيناء عن مخاوف لدى حماس، خشية من أن يؤثّر على توتير
العلاقات مع مصر، التي تحسّنت عقب انتهاء حرب غزّة.
وبات واضحاً أنّ أحداث سيناء، لن تتوقّف عند حدودها، بل ستطال آثارها
غزّة، كما جرت العادة في حوادث سابقة، حيث أكّد مدير المعابر في غزّة ماهر أبو
صبحة في حديث إلى "المونيتور" أنّ "مصر أبلغته بإغلاق معبر رفح
حتّى إشعار آخر، بسبب أحداث سيناء، ومن دون تحديد فترة زمنيّة لإغلاقه"،
متوقّعاً أن "تطول فترة إغلاقه، بعد إعلان منع التجوّل وفرض حالة الطوارئ
لمدّة 3 أشهر في سيناء".
وأضاف في حوار مع "المونيتور": "نتفهّم أوضاع مصر الأمنيّة،
ونحزن لكلّ قطرة دم، لكنّنا نشعر بالظلم الواقع علينا، نظراً للعقوبات المفروضة في
غزّة على شرائح واسعة من المرضى والطلاّب وأصحاب الإقامات".
إجراءات متلاحقة
لم يتوقّف الأمر عند إغلاق معبر رفح، بل إنّ الناطق باسم حماس فوزي برهوم
أكد لـ"المونيتور"، أنّ "مصر أبلغتهم بتأجيل المفاوضات غير
المباشرة مع إسرائيل لتثبيت التهدئة، المقرّرة في 27 تشرين الأول/أكتوبر في
القاهرة".
وعلى الرغم من أنّ أيّ اتّهام مصريّ رسميّ لم يصدر ضدّ حماس أو أيّ من
الفلسطينيّين في التورّط في أحداث سيناء، لكنّ مساعد وزير الداخليّة المصريّ اللواء
سميح بشادي قال في 26 تشرين الأول/أكتوبر في تصريحات صحافيّة إنّ عناصر فلسطينيّة
لم يسمّها شاركت في هجوم شمال سيناء.
وقد حاول "المونيتور" التواصل مع مسؤولين مصريّين أمنيّين
وسياسيّين، لكنّهم تحفّظوا عن الحديث نظراً لحساسيّة الموقف الأمنيّ.
فيما انتهزت حماس كلّ الفرص لإعلان إدانتها حادث سيناء، وحرصها على الدم
المصريّ.
فقد أعلن عضو القيادة السياسيّة في حماس خليل الحيّة خلال حديث تلفزيونيّ
مساء 25 تشرين الأول/أكتوبر أنّ دماء المصريّين عزيزة على قلوبهم، ولا يسمحون أن
يمسّ أمن مصر بأيّ سوء.
وأكّد المسؤول الإعلاميّ في حماس صلاح البردويل في 28 تشرين الأول/أكتوبر
في لقاء صحافيّ، أنّ مصر طلبت من حماس فحص إمكان دخول بعض العناصر من سيناء إلى
غزّة، ولم تسجّل أيّ حالة من هذا القبيل.
وقال المستشار السياسيّ السابق لإسماعيل هنيّة، رئيس حكومة غزّة السابق،
القياديّ في حماس أحمد يوسف لـ"المونيتور": "تقف حماس إلى جانب مصر
في هذا الوضع الصعب، والحركة مقتنعة بأنّ أيّ انهيار للوضع الأمنيّ في سيناء سيكون
كارثة على فلسطين، ومستقبل قضيّتنا الوطنيّة مرتبط ببقاء الاستقرار والأمن لدى
الأشقّاء المصريّين".
وتحدّث "المونيتور" مع مسؤول أمنيّ فلسطينيّ في غزّة، طلب عدم
ذكر اسمه قائلاً: "شكّلت حماس لجنة أمنيّة لمتابعة أحداث سيناء، من كبار رجال
الأمن بالتعاون مع وزارتي الداخليّة والصحّة، لتقصّي ما إذا كانت هناك أيّ علاقة
لغزّة بهجوم سيناء. وبعد التحرّي الأمنيّ، لم تعثر اللجنة على أيّ دليل لتورّط أيّ
طرف من غزّة به".
وصلت الآثار السلبيّة المترتّبة عن أحداث سيناء الواقع الميدانيّ على
حدود غزّة، حيث اتّخذت السلطات المصريّة خطوات لنقل السكّان من الشريط الحدوديّ
داخل رفح المصريّة، تمهيداً لإقامة منطقة عازلة على الحدود الفلسطينيّة.
وعلم "المونيتور" من سكّان رفح جنوب قطاع غزّة أنّهم شاهدوا في
الأيّام الأخيرة عقب عمليّة سيناء، طائرات مقاتلة مصريّة تحلّق في أماكن حدوديّة
قريبة، سواء لمراقبة الوضع الميدانيّ أم لقصف مواقع المسلّحين.
وأشار أحمد يوسف في حواره مع "المونيتور" إلى أنّ "حماس
تتفهّم إقامة مصر المنطقة العازلة، طالما أنّها تقام داخل أراضيها، لكنّها تأمل
ألاّ تؤثّر على الأوضاع الإنسانيّة الصعبة في غزّة، مستبعداً نشوء أيّ توتّر
عسكريّ مصريّ على حدود غزّة".
الفلتان الأمنيّ
إلاّ أنّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس أعلن في 25 تشرين الأول/أكتوبر،
دعم الإجراءات التي ستتّخذها مصر للحفاظ على الأمن، لما في ذلك من خدمة للقضيّة
الفلسطينيّة والأمن القوميّ العربيّ.
وسأل "المونيتور" مسؤولاً بارزاً في الرئاسة الفلسطينيّة عن
تأثير الخطوات المصريّة على غزّة، فقال رافضاً كشف هويّته: "من حقّ مصر إقامة
منطقة عازلة لحفظ أمنها الداخليّ، والتصدّي للجماعات المسلّحة، والسلطة
الفلسطينيّة جزء من هذه المعركة". لكنّه طالب بـ"توخّي الدقّة قبل توجيه
الاتّهامات لأيّ من الفلسطينيّين باشتراكهم في أيّ عمل يمسّ أمن مصر".
وقال إياد البزم الناطق باسم وزارة الداخليّة في غزّة في 27 تشرين الأول/أكتوبر
في بيان مكتوب، إنّ الحدود المصريّة-الفلسطينيّة تحت سيطرة الأجهزة الأمنيّة في
غزّة في شكل كامل، وهي مضبوطة، ولا تشكّل خطراً على المصريّين، لأنّ حماية الأمن
المصريّ أولويّة لديها، ولا يمكن تحميل غزّة مسؤوليّة الهجوم الأخير في سيناء.
وقام "المونيتور" بزيارة ميدانيّة إلى الحدود
المصريّة-الفلسطينيّة جنوب قطاع غزّة، وشاهد انتشاراً لمئات عناصر الأمن التابعة
لحماس في شكل غير مسبوق، لتأكيد قرار الحركة ضبط الحدود من الجانب الفلسطينيّ.
فيما أقامت الفصائل الفلسطينيّة بيت عزاء في غزّة للجنود المصريّين
القتلى، حضره "المونيتور"، والتقى هناك بنائب رئيس المكتب السياسيّ
لحماس موسى أبو مرزوق، الذي تربطه علاقات وثيقة بالسلطات المصريّة، كونه يقيم في
القاهرة في شكل دائم.
وقال أبو مرزوق لـ"المونيتور": "لا يمكن لحماس أن تمسّ
بالأمن المصريّ بأيّ شكل، ولا مصلحة للشعب الفلسطينيّ بما جرى في سيناء، والمتضرّر
الوحيد ممّا جرى هو غزّة، لأنّ أمن سيناء هو أمن فلسطين، مستنكراً اتّهام بعض
وسائل الإعلام المصريّة فلسطينيّين من غزّة بالتورّط في الحادث".
وختم أحمد يوسف حديثه لـ"المونيتور" بالقول: "عرضت حماس
تقديم مساعدتها الأمنيّة إلى مصر، فليس لنا مصلحة في غياب الاستقرار الأمنيّ عنها،
ونرفض انتشار الفلتان الأمنيّ في سيناء على غرار الفوضى الحاصلة في العراق
وسوريا".
المصدر: المونيتور