حماس تخوض حرب غزة بدون دعم إيران
د. عدنان أبو عامر
على عكس حرب غزة السابقة 2012، لم تعلن إيران هذه المرة في حرب 2014،
أنها تدعم حماس في قتالها لإسرائيل، ولم تتبنى أنها صاحبة الفضل في امتلاك حماس
للصواريخ التي مكنتها من قصف تل أبيب والقدس وحيفا وغوش دان، وهو ما أعلنته، في
الحرب السابقة!
وفي ذروة الحرب الدائرة الحالية على غزة بين إسرائيل وحماس، تعمدت الحركة
أن تظهر بين حين وآخر أن الترسانة الصاروخية التي تحوزها صناعة محلية، بإطلاقها
أسماء فلسطينية بحتة، ليس لها علاقة بالصناعات العسكرية الإيرانية، عبر غياب صاروخ
"فجر" إيراني الصنع.
فيما ظهرت صواريخ محلية الصنع منسوبة في أسمائها لقادة مؤسسين في حماس
اغتالتهم إسرائيل في سنوات سابقة، وهي: (M75) ويصل مداه مدينة القدس، و(R160)
وقصفت به مدينة حيفا، و(J80) يصل مداه 80 كم، واستهدف تل أبيب وسط
إسرائيل.
وعلم "المونيتور" أن كتائب القسام أجرت الشهور الأخيرة تجارب
عسكرية ناجحة لهذه الصواريخ المنتجة في غزة داخل البحر المتوسط، يبلغ مداها عشرات
الكيلومترات، وكانت أصوات التجارب تسمع في مناطق مختلفة من غزة، لاسيما الساحلية
منها.
وقد تحدث "المونيتور" في مقال سابق عن بداية عودة المياه
لمجاريها بين حماس وإيران، دون أن يتبعه ضخ أموال وأسلحة جديدة لغزة.
مسئول بارز في حماس من الخارج أكد "للمونيتور" أن "كتائب
القسام اتخذت قراراً بتطوير قدراتها الصاروخية المحلية، مع فتور العلاقات مع
إيران، رغم عدم قطعها كلياً معها، لكن التراجع بدا واضحاً في المجالين المالي
والعسكري، مما دفع القسام للشروع بحملة تصنيع داخلية على قدم وساق لتعويض النقص
الذي حصل بفعل هذا التراجع".
وأضاف في لقاء هاتفي مع "المونيتور": "حافز آخر دفع
القسام للشروع بمسيرة تصنيع الصواريخ المحلية إغلاق مصر للأنفاق، مما حد من دخول
المواد الخام اللازمة لصناعة الصواريخ، لكنه لم يمنعها، رغم توقف أنبوب الأوكسجين
الذي يمد القسام بالصواريخ المتعددة المديات من مصادر مختلفة، لتكون المحلية قادرة
على وصول أهداف أعمق داخل إسرائيل، هذا السببان جعلا كتائب القسام تتجه للاستثمار
أكثر بصنع أسلحة وصواريخ محلية بالاعتماد على مهندسين مدربين".
وأوردت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريراً جاء فيه أن
صواريخ غزة تبدو غير فعالة، لأنها مصنوعة محلياً، ولا تضاهي قدرة القبة الحديدية
الإسرائيلية، لكن سكان إسرائيل يحكمون على الصواريخ من خلال الأهداف التي وراءها،
وليس من خلال فعاليتها العسكرية، فهم ساخطون من ركضهم للملاجئ للاختباء.
وهو ما دفع بصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية للقول
إن حماس خرجت من تهدئة استمرت 19 شهرا أكثر قوة وذكاء وفعالية لضرب إسرائيل،
وإصابتها في المكان الذي يؤلمها، لأنها تمتلك ترسانة تقدر بـ 10 آلاف من الصواريخ
المحلية أكبر مما كانت عليه عام 2012، وصواريخها المتوسطة أصبحت أكثر دقة، ولديها
صواريخ طويلة المدى تصل ما بعد تل أبيب والقدس، مما يعرض 5 ملايين إسرائيلي للخطر.
قائد ميداني من كتائب القسام أوضح "للمونيتور" قبيل اندلاع
المواجهة الحالية أن "توقف الدعم العسكري الإيراني حرمنا من قدرات تسليحية
كبيرة، ودعم لوجستي كنا بحاجة إليه، في ضوء ما لديها من ترسانة صاروخية تحدث تغييراً
كبيراً في موازين القوى لصالح حماس أمام إسرائيل، وقد اجتهدنا ألا يؤثر خلافنا
السياسي مع طهران على استمرار الدعم العسكري، لكنه أثر سلباً، دون إعطاء مزيد من
التفاصيل".
وأضاف في لقاء جمعه بـ"المونيتور" وسط غزة: "مسيرة
الصواريخ المحلية بدأتها كتائب القسام منذ أواخر2001، بدءً بصواريخ "قسام من
طرازات 1،2،3، وقذائف الهاون، واستطعنا تهديد جميع مستوطنات إسرائيل الجنوبية بما
فيها "سديروت، نيرعام، أوفاكيم، عسقلان" بتصنيع ذاتي، قبل أن يصلنا
الدعم العسكري الإيراني، واستطعنا بموجبه استهداف تل أبيب في حرب 2012".
وختم بالقول: "بعد تراجع علاقات حماس وإيران، كان لابد لكتائب
القسام من التحرك بميادين أخرى لتعويض النقص من صواريخ إيران، فنجحنا بالعثور على
موارد جديدة دخلت على خط تزويدنا بالسلاح، رافضاً أن يسميها، كي تجعلنا نصمد بأي
مواجهة مع إسرائيل، صحيح أن الصواريخ الإيرانية أشد فتكاً وأدق تركيزاً، لكننا مع
حصار مصر وإسرائيل، والعلاقة الفاترة مع إيران، نحفر في الصخر لتطوير قدراتنا
التسليحية".
الأكاديمي الفلسطيني البارز البروفيسور عبد الستار قاسم من جامعة النجاح
الوطنية في نابلس، تنبأ في مقال له على موقع "الجزيرة" نشر الأيام
الأخيرة أن الصواريخ المحلية ستتطور لتكون أداة فعالة بيد المقاومة ضد إسرائيل،
وبعد أن تخطى مداها المائة كيلومتر، ستتطور لتحمل في المستقبل رؤوساً متفجرة بزنة
مائة كيلوغرام وأكثر، وستصيب أهدافها بدقة.
"المونيتور" أجرى مقارنة بين أداء حماس العسكري في حربي 2008
و2012، حيث خاضت الحرب الأولى في ظل موازين قوى أفضل بكثير؛ حين حظيت بدعم إيران
العسكري المفتوح، والصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل ساهمت الإيرانيون بتطويرها،
في حين تخوض المواجهة الحالية وقد خسرت دعم الحليف الإيراني الذي جفف منابع الدعم
المالي والعسكري، ومواجهتها حرباً حقيقية من مصر السيسي؛ بإغلاق الأنفاق التي حصلت
حماس عبرها على الأسلحة والصواريخ. لكن أسامة حمدان، مسئول دائرة العلاقات الدولية
في حماس، نفى في حديث لجريدة "السفير" اللبنانية، تأثر حماس في الحرب
الدائرة حالياً بتراجع الدعم الإيراني العسكري، بأنه إذا كان هناك من يراهن على أن
حماس تواجه مشاكل معينة بسبب تغير الظروف، فهذا رهان خاطئ، فالمقاومة اليوم أقوى،
ولا زلنا في بداية المعركة، وستثبت الأيام قدرتنا على الصمود والمواجهة، وحماس
قادرة على الصمود ولديها المزيد من المفاجآت، وهذه المعركة ستكون بالنهاية إنجازاً
جديداً للمقاومة.
"المونيتور" تواصل مع عضو سابق في مجلس الشورى الإسلامي
الإيراني، رفض كشف هويته، الذي أبلغه أن "حماس لا تنكر دور إيران الواضح في
تقدمها العسكري، رغم توقفه في العامين الأخيرين، حيث وفر "فيلق القدس"
لمقاتلي حماس الصواريخ المتطورة، وزودهم بقدرات تركيب المواد الناسفة ضد الآليات
المدرعة، وبناء واستعمال تقنيات العبوات الناسفة الذكية، ومنحتهم بخبرات تقنية
لتصنيع العبوات الفتاكة".
وأضاف "للمونيتور" خلال اتصال هاتفي من طهران: "أداء حماس
العسكري في الحرب الحالية 2014 تبدو بصمات إيران ظاهرة عليه بصورة لا ينكرها أحد،
خاصة تدريب مقاتليها على الأساليب القتالية، وتأهيل ونقل العلم والمهارات
التكنولوجية- التنفيذية لاستخدامهما بإنتاج وتطوير الوسائل القتالية، وتوسيع نوعية
الصواريخ المنطلقة تجاه إسرائيل".
المونيتور، 16/7/2014