حماس تصالح السلفيين ولا تواجههم
بقلم: عدنان أبو عامر
تختلف التهديدات الأمنية التي تحيط بقطاع غزة؛
فهناك مخاوف من شن حرب إسرائيلية جديدة في ضوء عدم التوصل بعد إلى اتفاق هدنة مع حماس،
ومخاوف من توتر العلاقة مع مصر، وفي الشهرين الماضيين شهد القطاع عدد من التفجيرات،
لكن التوتر الأخير بين حماس والسلفيين كان له مظاهر ميدانية شعر بها الفلسطينيون في
غزة من زيادة الحواجز الأمنية.
من الواضح أن حماس تستخدم مع السلفيين سياسة الترغيب
والترهيب (العصا والجزرة)، فهي اعتقلت عددًا منهم لتعقب التفجيرات التي وقعت في المدة
الأخيرة، لكنها أجرت مشاورات ووساطات خلف الكواليس خلال الأسابيع الماضية مع قادة السلفيين؛
لمحاولة وقف التدهور في العلاقة معهم، وعدم وصول الجانبين لمرحلة الصدام المسلح.
تدرك حماس جيدًا أنها تواجه عدة جبهات أمنية وعسكرية
في آن واحد: السلطة الفلسطينية ومصر والاحتلال، وهي ليست في وضع مريح أمنيًّا لتضيف
جبهة أخرى من داخل البيت في غزة، ما يدفعها إلى البحث عن خيار المصالحة مع السلفيين
لا مواجهتهم، ولذلك قد تشهد الأيام القادمة انفراجة في جهود احتواء التوتر بين الأجهزة
الأمنية والسلفيين؛ لوقف التصعيد بينهما، دون الوصول إلى مرحلة صدام مباشر.
تبدو الإشارة مهمة إلى أن الانقسام السياسي بين
الفلسطينيين سمح بظهور حالات من الخلل الفكري، والمناكفات السياسية والتجاوزات الأمنية،
قد يستغلها بعض لإرباك الميدان في غزة، وشغلها بالعداوات الداخلية، وهو ما أشارت إليه
بعض الأوساط الأمنية بالحديث عن وجود دلائل عن تدخلات من طرف ثالث، يعمل على تأجيج
الوضع لإرباك الساحة وزيادة التوتر الحاصل بين السلفيين وأجهزة الأمن في غزة، وهنا
يمكن تفسير ترحيب الأوساط الإعلامية المقربة من السلطة الفلسطينية بالتوتر القائم بين
حماس والسلفيين في المدة الأخيرة، والقول: "إنهما دخلا مرحلة كسر العظم".
لكن لا يمكن فصل ما يجري في غزة من توتر بين حماس
والسلفيين عما يحصل في المنطقة من صراع دامٍ على خلفيات سياسية وطائفية، ما قد يشجع
أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والاحتلال على تجنيد بعض العناصر؛ لإيجاد ذرائع
تبرر إبقاء غزة في حالة الفوضى، وتغييب الأمن والاستقرار.
ويمكن شرح كيفية معالجة ملف الظاهرة السلفية التي
ارتكبت بعض حوادث العنف في الآونة الأخيرة بأن السلفيين الجهاديين ليسوا كلهم تنظيمًا
واحدًا، ولذلك يجب العمل على معالجة الحالات التي ترتكب مخالفات أمنية كل حالة على
حدة، ما يضمن بقاء حالة الاستقرار الأمني في غزة، وفي الوقت نفسه يتيح لجميع الأطراف
ممارسة نشاطاتهم ممارسة لا تخل بهذا المطلب الوطني العام (ضبط الأمن)، ولذلك قد تشهد
غزة قريبًا معالجات هادئة للتعامل مع الظاهرة السلفية بتوسيع قنوات الحوار مع أفرادها؛
لقطع الطريق أمام انسياقهم خلف المزيد من التطرف، في جلسات مكاشفة وحوار موسعة بمشاركة
بعض رجالات السلفية وعلمائها.
حماس _على ما يبدو_ لا تريد الظهور بأنها في مواجهة
مع تيارات إسلامية أخرى، وقد تلجأ إلى إيجاد قنوات خلفية لفكفكة الخلاف معها قبل أن
يقع ما لا تحمد عقباه؛ لأن غزة لا تحتمل مزيدًا من التوتر الأمني، الذي قد ينتج عن
صدام مسلح بين حماس والسلفيين، وصحيح أن الحركة تمتلك قوة عسكرية كفيلة بتوجيه ضربة
موجعة لهذه المجموعات، لكن ما يقلقها هو اليوم التالي لهذه الضربة، وكيف سيكون رد فعل
السلفيين، والخشية أن يلجؤوا إلى ما يقوم به نظراؤهم في البلدان المجاورة.
أخيرًا تدرك حماس أن الإقليم مقدم على تطورات
عسكرية ملتهبة في سوريا والعراق، وربما في لبنان وسيناء، وسيكون اللاعب الأبرز في هذه
المواجهات هو التنظيمات السلفية بمسمياتها المختلفة: تنظيم الدولة، وجبهة النصرة، وجيش
الفتح الذي يضم عددًا من التشكيلات المسلحة الإسلامية، وهي جميعًا ذات جذور سلفية،
تقترب كثيرًا مما يعتنقه السلفيون في غزة.
وهو ما يدفع حماس إلى التعامل بحذر شديد مع الظاهرة
في غزة لئلا تظهر جزءًا من التحالف الإقليمي والدولي ضد هذه التنظيمات، ما قد يفقدها
بعضًا من التأييد في أوساط الحركات الإسلامية، وفي الوقت نفسه تبقى ممسكة بالوضع الأمني
في غزة بمنطق الصفقة بدل الضربة.
المصدر: فلسطين أون لاين