حماس تكسب معركة ضد "إسرائيل” في أوروبا
بقلم: عدنان أبو عامر
بدون مقدمات، قضت المحكمة العامة
للاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء 17/12/2014 في قرار قابل للاستئناف، برفع اسم حركة
المقاومة الإسلامية (حماس) من القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية.
وقد توالت ردود الفعل المؤيدة والمنددة
بالقرار الأوروبي على حد سواء، وقرأ الكثيرون نتائج متوقعة لها على الصعيدين
الفلسطيني الداخلي والأوروبي الخارجي، لكن ذلك يتطلب إعطاء لمحة معلوماتية دقيقة
عن طبيعة القرار وحيثياته.
حيثيات معلوماتية
كان الاتحاد الأوروبي قد وضع حركة حماس
على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2003 بسبب شنها هجمات ضد أهداف إسرائيلية خلال
الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000، لا سيما لدى اندلاع العمليات الاستشهادية
التي كلفت الإسرائيليين مئات القتلى وآلاف الجرحى، وتزامنت مع "فوبيا"
الإرهاب التي عمت دول العالم عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والحرب على العراق
عام 2003.
المحكمة الأوروبية صاحبة القرار -ومقرها
لوكسمبورغ- هي ثاني أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي، وقد ألغت لأسباب إجرائية
تدابير الاتحاد التي تبقي حركة حماس على القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية،
لكنها أبقت مؤقتاً على وضع الحركة الحالي لفترة ثلاثة أشهر إلى حين البت في
الاستئناف، ومن بينها الإبقاء على نتائج التدابير الملغاة مؤقتاً، كتجميد الأموال.
الثابت معلوماتياً أن رفع اسم حماس عن
قائمة "الإرهاب" الأوروبية ملزم قانونياً، لأنه صادر عن هيئة قضائية
مختصة في الاتحاد لديها اختصاصات قضائية ملزمة للدول الأعضاء، ويبدو من الصعب على
الاتحاد أن يعود لنقضه بعد شهرين من تبليغ الجهات المختصة به، لما يتضمنه من شروط
معقدة لا تنطبق على حماس.
وأثبت ذات القرار أن الإجراءات
القانونية لوضع حماس على قائمة الإرهاب كانت ناقصة، وفيها خلل قانوني غير مقبول
على المحكمة، وأن الاستناد إلى قائمة الإرهاب الأميركية لا يكفي دليلا في المحاكم
الأوروبية لعدم توافق المعايير الأميركية مع نظيرتها الأوروبية.
كما أن القانون يمنح جميع الأطراف مهلة
شهرين بعد إبلاغها بالقرار، من أجل استئنافه أمام محكمة العدل العليا في أوروبا،
إما للطعن أو الاعتراض، وهذا يعني أنه يمكن لمجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية
الأوروبية في بروكسل أن يعترضا.
وقد أثبت فريق المحامين عن حماس أن
المحاكم الأوروبية التي تنظر في قضايا الإرهاب، لا تمتلك الشفافية والإجراءات
الصحيحة التي تضمن للمدعى عليه الوقوف للدفاع عن نفسه ورفع اسمه، وهو ما ذكرته
المحكمة في قرارها بأن الاتحاد الأوروبي استند في وضع حماس على قائمة الإرهاب إلى
تقارير إعلامية لا إلى تحليل مدروس.
هذا الاعتراف الأوروبي يشكل فضيحة
أخلاقية للاتحاد الأوروبي لأنه -حسب حيثيات الحكم- بنيت الإجراءات التي اتبعت في
عملية اتخاذ القرار بشأن وضع حماس في قائمة الإرهاب، على معلومات غير صحيحة تم
الحصول عليها من مصادر إعلامية وشبكة الإنترنت. وهكذا اتضح جلياً أن القرار السابق
الذي تم اتخاذه جاء إثر معلومات مغلوطة ودون تأكد، اعتمدت فقط على وسائل الإعلام
التي تناهض حماس.
وبما أن الحكم السابق جاء مبنيًا على
أسس باطلة، ولم يستند إلى إجراءات صحيحة، فكل ما يبنى عليه باطل، بفعل عدم احترام
مجلس الاتحاد الأوروبي إجراءات الإدراج الخاصة بالمؤسسات والكيانات والأفراد،
ولذلك فإن القرار بمجرد أن يكون سارياً من المحكمة العليا، فإن حماس بجناحيها
السياسي والعسكري وكل المؤسسات التابعة لها والمنبثقة عنها، لم تعد مدرجة على
قائمة الإرهاب الأوروبية.
التسويق السياسي
حماس من جهتها رحّبت بالقرار الأوروبي،
واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح، وتصحيحاً لخطأ سابق، باعتبار أن وضع حماس في
الماضي على قائمة الإرهاب لم يستند إلى حقائق موضوعية، وكان انتهاكاً صارخاً
للقانون الدولي، ويتعارض مع حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وحثت قادة وحكومات
الدول الأوروبية على القبول والتعاون مع قرار المحكمة، واتخاذ التدابير اللازمة من
أجل قرار سياسي شجاع لإزالة حماس من قائمة الإرهاب.
حماس تشجعت بخطوة إضافية حين اعتبرت أن
هذا القرار يفتح صفحة جديدة في علاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي، رغم أن العديد من
هذه الدول تلتقي ممثلي حماس علناً وسراً، لكن هذا القرار سيشجع هذه الدول على
استقبال قادة الحركة على أراضيها وفتح الحوار معها، وهذا انتصار للقضية
الفلسطينية.
وأملت حماس من جميع القوى الدولية -بما
فيها الولايات المتحدة- أن تتخذ زمام المبادرة لتصحيح خطأ الماضي الذي جاء نتيجة
للضغط الإسرائيلي، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، لأن الحركة منذ إنشائها قبل 27
عاماً، تحصر مقاومتها المشروعة داخل الأراضي الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي،
وهو حق طبيعي للحركة ولكل الدول الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي، ومتوافق تماماً مع
القوانين الدينية والدولية، كشأن الدول الأخرى في الشرق والغرب التي قاومته.
وتشعر حماس أنها الآن في بداية طريق
جديد وليست في نهايته، وقد تستثمر هذا القرار في المحافل الدولية، وبالذات في
مؤسسات الأمم المتحدة، وهي جزء من الرباعية الدولية، وهذا يتطلب من الحركة التأكيد
على هويتها كحركة تحرر وطني فلسطيني، وأن مقاومتها للاحتلال هي دفاع مشروع عن
النفس.
بدورها تمنت قوى فلسطينية أخرى أن يكون
القرار الأوروبي عاملاً مساعداً على الصعيد الفلسطيني لإنهاء الانقسام، واستكمالاً
لخطوات استعادة الوحدة الداخلية، بما يعزز من الوضع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال
والاستيطان، انطلاقاً من كون حماس مكوناً من مكونات حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
ودعت هذه القوى إلى تفعيل القرار الأوروبي، والتقدم أكثر فأكثر نحو الاعتراف بكامل
الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
في الوقت ذاته ورغم صخب الترحيب بالقرار
الأوروبي، تبدو حماس حذرة وتدعو إلى التريث في التعاطي مع القرار، وسط مخاوف بألا
يعكس تحولات جذرية في التعاطي الأوروبي مع الحركة، لتزامن القرار مع إحياء حماس
لذكرى انطلاقتها الـ27، وسط دعواتها إلى المقاومة المسلحة وتمسكها بالبندقية، وفي
ظل الاختلال القائم في موازين القوى والإسناد الإقليمي.
ذات دعوات الحذر الصادرة عن بعض أوساط
حماس، تذكر أن الحركة تتواصل فعلياً مع القارة الأوروبية بطريقة مباشرة وغير
مباشرة، ويقوم بعض سياسييها بزيارات سرية لبعض العواصم هناك رغم وضعها على قائمة
الإرهاب، إلا أن بعض قنوات الاتصال بقيت فاعلة، مما شكل خرقاً للنظرة الأوروبية
للحركة، وفتح آفاقاً حول إمكانية الخروج من دائرة التصنيف التي جاءت في ظل ضغوط
صهيونية وأميركية.
تسونامي دبلوماسي
اعتُبِر القرار الأوروبي بحق حماس صفعة
لإسرائيل وتعرية لانتهاكاتها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنه في الوقت ذاته
يحمل دلالات بأن صناع القرار في معظمهم يعون عدالة القضية الفلسطينية، وضاقوا
ذرعًا بإسرائيل ومنطقها وسلوكها غير المبرر، لأنها فقدت مصداقيتها أمام العالم فلم
يعد أحد يصدقها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو من جهته هاجم دول الاتحاد الأوروبي بعد قرار المحكمة، زاعماً أن الصداقة
التي تجمع أوروبا وإسرائيل تتعارض تماماً مع القرار الذي اعتبره مثالاً مزعجاً
للغاية عما اعتبره "نفاقا" أوروبيا، عقب دعوة في جنيف لفتح تحقيق ضد "إسرائيل”
بشأن ارتكابها جرائم حرب.
ووصفت أوساط سياسية إسرائيلية القرار
بأنه "تسونامي" في علاقات "إسرائيل” بأوروبا، وإنجاز للفلسطينيين، ونقطة
تحول في الصراع، ونددت به، مناشدة الدول الأوروبية التعاون في محاربة العدو
المشترك وهو الحركات الإسلامية. واعترفت هذه الأوساط بأن "إسرائيل” تواجه هذه
الأيام هجوماً سياسياً غير مسبوق في حجمه، وتبدو عاجزة دبلوماسياً في مواجهة اليوم
الدراماتيكي السياسي الدولي.
ولم يجد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان
رداً على القرار الأوروبي سوى تكرار سمفونية أنه "لا فرق بين حماس وداعش
والقاعدة"، باعتبار أنها تنظيمات متشابهة وبأيدولوجية واحدة. لكن أوساطاً في
الخارجية الإسرائيلية تخوفت من أن يكون القرار الذي وصفته بأنه "جائزة"،
مقدمة لقرارات أشد خطورة لدعم تنظيمات معادية لإسرائيل، ودعت إلى إجراء تعديل فوري
على القرار، وإعادة إدراج حماس في قائمة "الإرهاب".
ولم تكتف "إسرائيل” بتصريحات إعلامية
منددة بالقرار الأوروبي، بل اجتمع موظفون كبار في الخارجية الإسرائيلية بسفراء من
الاتحاد الأوروبي في تل أبيب، ونقلوا لهم خيبة الأمل الشديدة من قرار المحكمة،
وطالبوا الاتحاد بأن يتحرك فوراً لإعادة حماس إلى قائمة "الإرهاب".
الواضح أن الموقف الإسرائيلي من قرار
أوروبا تجاه حماس شكل كرة ثلج تتدحرج مع اعتراف البرلمانات الأوروبية بدولة
فلسطين، وهي قرارات عكست يأس الأوروبيين من فشل مفاوضات السلام بين "إسرائيل” والفلسطينيين،
وشكلت إقراراً إسرائيلياً بتآكل مكانتها الدولية، بسبب ما يعتبره قطاع واسع من
الإسرائيليين "بالسياسة الخرقاء" التي تتبعها حكومة نتنياهو.
المصدر:
الجزيرة نت، الدوحة