القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

حماس و"إسرائيل" تنشطان على حدود غزّة الشرقيّة

حماس و"إسرائيل" تنشطان على حدود غزّة الشرقيّة

بقلم: عدنان أبو عامر

قامت إسرائيل فجر الإثنين 24 حزيران/مايو الجاري، بقصف مواقع عدّة في قطاع غزّة، رداً على صواريخ مجهولة المصدر أطلِقت عليها انطلاقاً من حدود غزّة الشرقيّة، في موجة جديدة مما يسمّيه الفلسطينيّون "الصواريخ المتقطّعة" بين الجانبَين.

وكان سلاح الجو الإسرائيلي قد سيطر على أجواء قطاع غزّة في الحرب الأخيرة مع إسرائيل التي شهدها شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2012. وقد ركّز على إلقاء قذائفه الصاروخيّة على جميع أنحاء القطاع بمعدّل 1500 غارة جويّة، دمّرت 19 مقراً قيادياً ومركزاً ميدانياً تابعاً لحماس، في حين استهدفت 980 منصّة صاروخيّة موجّهة تحت الأرض و140 نفق تهريب و42 غرفة عمليات تابعة للحركة و26 موقعاً لتصنيع وتخزين وسائل قتاليّة، بالإضافة إلى العشرات من أنظمة إطلاق صواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى.

التوغّلات العسكريّة

منذ أن وضعت الحرب أوزارها، حصل نوع من توزيع للأدوار بين أسلحة الجيش الإسرائيلي. فقد هدأ سلاح الطيران من طلعاته الجويّة بصورة ملحوظة، باستثناء غارات وهميّة يقوم بها بين الحين والآخر في سماء غزّة، سواء لعدم استفزاز حماس أو لانشغاله بأجواء أخرى في المنطقة أو لاعتقاده بأن القطاع ينعم بهدوء لا يتطلّب منه التحليق الدائم والمكثّف.

في المقابل، برز دور مركزيّ لسلاح المشاة والقوات البريّة في الجيش الإسرائيلي، بحيث لم تعرف المناطق البريّة من الحدود الشرقيّة لقطاع غزّة الهدوء إطلاقاً منذ أن توقّفت العمليات العسكريّة من قبل إسرائيل على حماس يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012. ويعود ذلك إلى أن هذه المناطق هي الأقرب جغرافياً إلى العمق الإسرائيلي، ومنها تنطلق الصواريخ ضدّ أهداف حيويّة في مستوطناتها ومدنها الجنوبيّة، بخاصة سديروت وأسدود والمجدل وبئر السبع.

وفي الوقت نفسه، يغلب على هذه الحدود الشرقيّة لقطاع غزّة الطابع الزراعي، وهي تقع كذلك ضمن مدى نيران المدفعيّة الإسرائيليّة التي تطلق قذائفها بصورة شبه يوميّة. وهذه الحدود هي أشبه بمنطقة محاصرة، يمكن إسقاطها عبر اقتحامها عسكرياً بين الحين والآخر.

لذلك دأبت الدوريات العسكريّة الإسرائيليّة خلال الأسابيع القليلة الماضية على تنفيذ اجتياحات جزئيّة لهذه الحدود الشرقيّة، تحدث بأغلبها في ساعات الليل المتأخّرة وتمتدّ حتى ساعات الصباح الأولى، ثم تنسحب. ويحصل خلال هذه الاجتياحات بعض أعمال اقتلاع الأشجار وتجريف الحقول الزراعيّة، بالإضافة إلى تعرّض بعض المزارعين الفلسطينيّين إلى إصابات.

وتعلن إسرائيل أن سبب هذه الاجتياحات يعود إلى ورود معلومات أمنيّة مفادها أن الفلسطينيّين يحفرون أنفاقاً في هذه المناطق تحضيراً لجولة مواجهة مقبلة، مثلما حصل في منطقة "جبل الكاشف" شمال شرق مدينة غزّة خلال حرب 2008-2009، حين قام أفراد من كتائب القسّام الجناح العسكري لحركة حماس بالتسلل إلى خلف خطوط القوّات الإسرائيليّة المتوغّلة شرق الجبل، ثم قاموا بتدمير آليات عدّة بعبوات ناسفة.

لكن الفصائل المسلّحة ترى أن إسرائيل تبرّر توغّلاتها المستمرّة داخل حدود غزّة الشرقيّة، على الرغم من التهدئة المعلنة مع حماس، لتفجير الأنفاق التي يحفرها الفلسطينّيون. وكان الجنود الإسرائيليّون قد اعتبروا أنهم خاضوا خلال حرب 2008-2009 ما أسموه "حرب أشباح"، لأنهم لم يروا مقاتلين بالعين المجرّدة، بحسب ما أفاد هؤلاء. وقد روى قائد سريّة في سلاح المدرّعات الإسرائيليّة ما شهدوه، في تقرير نشرته النسخة العبريّة لموقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" على شبكة الإنترنت، قائلاً "سرعان ما يندفعون صوبنا من باطن الأرض، إنهم يخرجون لنا من أعماق الأرض. نحن نتحرّك على الأرض، ونشعر بأن في الأسفل مدينة تحت أرضيّة!".

أما في الأسابيع الأخيرة، فقد جرت العادة أن تستغرق عمليّة التوغّل الإسرائيليّة شرق غزّة بضع ساعات، تخرج خلالها الدبابات والآليات العسكريّة من مواقعها المنتشرة على حدود قطاع غزّة باتجاه النقطة التي تريدها، فتنفّذ عمليّتها العسكريّة ثم تعود للتمركز في أماكنها داخل حدود إسرائيل. وهو ما يطلق عليه الجيش مصطلح "القتال من الجانب الآخر"، أي تعزيز عمليات الاقتحام البرّي من دون رغبة في إطالة التموضع داخل أراضي قطاع غزّة، وبهدف تحقيق غايات تكتيكيّة ردعيّة في الوقت ذاته.

ومنذ أن انتهت الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، سعى الجيش الإسرائيلي فعلياً إلى إقامة منطقة عازلة شرق غزّة من خلال توغّل للقوات البريّة لفترة زمنيّة محدّدة. وقد تبيّن من خلال جولة ميدانيّة قام بها مراسل "المونيتور"، أن هذه التوغّلات تقتصر على شريط زراعي غير مأهول، من دون الذهاب بعيداً إلى احتلال المناطق المأهولة في مناطق بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً والبريج والمغازي شرقاً. وهي ساحات يسمّيها مقاتلو حماس "منطقة الحماية"، ومن المفترض أن يتمّ فيها قتال القوات المتقدّمة من الجيش الإسرائيلي بواسطة العبوات والكمائن وقذائف الهاون.

الضبط الميداني

في الجانب الفلسطيني من الحدود، تسرّبت في الأسابيع الأخيرة أحاديث مفادها أن الحكومة التي تقودها حركة حماس بدأت بنشر عشرات من عناصرها على الحدود الشرقيّة لمنع إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، بهدف منع خرق التهدئة معها.

وعلى الرغم من أن حماس لم تعلن ذلك رسمياً ولم تؤكّد أو تنفي قرارها الميداني هذا، لكن مصدراً نافذاً فيها أكّد لـ"المونيتور" أن مقاتلين من كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، انتشروا في المناطق الحدوديّة لقطاع غزّة كبديل عن الشرطة المدنيّة، بهدف منع إطلاق الصواريخ من غزّة على التجمّعات الإسرائيليّة المحاذية. وذلك بعد أن قامت وزارة الداخليّة في الحكومة بسحب عناصر وحدة "الضبط الميداني" التابعة لها باستثناء وجود محدّد على نقاط الأمن الرسميّة بالقرب من الحدود، ليحلّ محلها عناصر كتائب القسام.

أضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، أن حماس تسعى جاهدة إلى عدم تصعيد الموقف مع إسرائيل في القطاع، عبر كبح جماح بعض المجموعات المسلّحة التي تقوم بين الحين والآخر بإطلاق صواريخ وقذائف الهاون. ولذلك تمّ تعزيز القوّة الميدانيّة بعناصر إضافيّة جديدة ووسائل قتاليّة حديثة، بحيث يقوم أفرادها بدوريات في المناطق الحدوديّة وهم يرتدون الزيّ المدني والعسكري.

وعلى الرغم من عدم توفّر أرقام دقيقة حول الأعداد الحقيقيّة لعناصر هذه الوحدة الأمنيّة، إلا أن تقديرات تستند إلى معلومات مستقاة من جهات مقرّبة من حماس، تقول أنهم نحو ألفي جندي. وهم يتقاضون رواتب من الحكومة، ويعملون في المناطق الحدوديّة مع إسرائيل. أما هدف هذه القوى فعمليات الرصد الأمني والمتابعة الميدانيّة، ومنع إطلاق الصواريخ أو زرع العبوات الناسفة.

وقد صدر قرار حماس هذا عقب قيام عناصر سلفيّة في الآونة الأخيرة بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. فهدّدت الأخيرة بالردّ بيد من حديد على حماس. لذلك، جرى نشر عناصر القسّام في مناطق متقدّمة من الحدود الشرقيّة مع إسرائيل. فأقاموا حواجز ثابتة وأخرى طيّارة، راحوا يفتّشون السيارات والأشخاص في المناطق القريبة، كذلك انتشروا في مناطق أخرى بعيدة عن الحدود كانت تستخدم لإطلاق صواريخ باتجاه أهداف إسرائيليّة.

وقد حصل "المونيتور" على تقرير خاص صادر عن حكومة حماس، جاء فيه أن وحدة الضبط الميداني تتبع من الناحية التنظيميّة الإدارة العامة للشؤون العسكريّة في وزارة الداخليّة. وهي منتشرة على جميع الحدود الشرقيّة لقطاع غزّة، وتضطلع بمهام عديدة من أبرزها ملاحقة العملاء المتخابرين مع أجهزة الأمن الإسرائيليّة وكيفيّة إلقاء القبض عليهم، حين توجّههم إلى الجانب الإسرائيلي عبر الحدود.

وقد أكّد القيادي في كتائب القسام أيمن نوفل الذي خرج من السجون المصريّة عقب الثورة واستقرّ في قطاع غزّة، على أهميّة دور قوى الضبط الميداني. وكانت الصحيفة الإلكترونيّة "دنيا الوطن" قد نقلت عن القيادي الذي يعتبر من أبرز المطلوبين من قبل إسرائيل، قوله بأن لهذه القوى أهميّة كبيرة في اتجاهين: ضبط الحدود الشرقيّة في ما يتعلّق بحركة العملاء من جهة، ومن أخرى رصد الميدان وعدم السماح بما وصفه بـ"الانفلات الأمني"، خصوصاً من قبل بعض التنظيمات المسلّحة التي قال إنها "تعاني من مراهقات جهاديّة زائدة" وتقوم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بصورة انفراديّة.

ويبقى أن الوضع الميداني الذي تعيشه حدود غزّة الشرقية يؤكّد بأنها ستبقى تنعم بأجواء أمنيّة هادئة حتى إشعار آخر. وذلك، باعتبار أن طرفَي أي مواجهة مقبلة، وهما حماس وإسرائيل، يحاولان الإبقاء على هذا الهدوء أطول فترة زمنيّة ممكنة، لأن هذه المنطقة التي تمتدّ على 40 كيلومتراً من رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً، ستشهد اشتعال الصاعق الذي سيفجّر الحرب الإسرائيليّة المقبلة ضدّ غزّة!

المونيتور، 25/6/2013