حماس والسلطة والهدنة الموعودة
بقلم: عمر كيلاني
الحديث
عن إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة محدودة زميناً بين إسرائيل وحركة حماس يزداد تواتراً
أحياناُ ويخبو أحياناً، وكأن الاتصالات بشأنه لا تزال تتعثر بسبب مطالب متضادة أو ابتزازية
من قبل إسرائيل أو بسبب ضباب يثار من هنا أو هناك يشوش الرؤية.
الأكثر
حرصاً على إشاعة الحديث عن قرب التوصل إلى الهدنة والتبشير بها هو قيادية حركة حماس
يتقدمها إسماعيل هنية المسؤول الأبرز في القطاع الذي بشر أهل القطاع في 5/7/2015 بأن
إسرائيل أبلغت أطرافاً أنها لن تشن حرباً جديدة على القطاع، وقال بعدها بأسبوعين لا
تستغربوا الحديث عن إنهاء الحصار وبناء ميناء بحري وإعادة الإعمار فنحن أقرب إلى تحقيق
أهدافنا هذه.
تدرك
حماس جيداً أن ما تملكه من قوة عسكرية لن تحقق ما هو أكثر من الذي حققته على صعيد المقاومة،
وأن الاستمرار في نهج المقاومة نظرياً دون القدرة على ممارسته واقعياً يعني استجرار
العدوان الإسرائيلي واستمرار الحصار والتراجع في القدرات العسكرية والاقتصادية والمعيشية
في القطاع مع ما يجلبه ذلك من أزمات تتفجر في وجهها دون قدرة منها على الحل، ويعني
بالتالي ما هو أهم، أي تزايد المعارضة لها في الشارع الغزي خصوصاً من قبل التنظيمات
الأصولية المتطرفة كداعش وبدء الانفلات الأمني والعسكري، مع ما يعنيه ذلك من انهيارات
متتابعة لسلطتها.
من
جهتها لم تنكر إسرائيل ذلك ولم تظهر اهتماماً كبيراً ربما لأنها لا ترى في الهدنة إنجازاً
كبيراً أو بسبب استمرار الاتصالات وعدم حصولها بعد على كل ما تطلبه من شروط متزايدة
باستمرار كعادتها في كل تفاوض.
والأمر
المثير للدهشة والاستغراب هو موقف السلطة الفلسطينية من الهدنة الموعودة حين سارعت
مصادرها إلى نقد وشجب إقدام حماس على التفاوض بشأنها وقبولها (دون أن توجه كلمة نقد
لإسرائيل التي لم تلتفت إلى السلطة ولم تعترف لها بدور في الاتفاق) وإلى التحذير من
مخاطر ذلك على المصالحة والوحدة والدولة المستهدفة، واعتبار ذلك جزءاً من المشاريع
الهادفة إلى فصل القطاع عن الدولة الفلسطينية تحت مسمى الهدنة كما جاء على لسان الناطق
باسم حركة فتح في 21/7/2015، مشددة على تجريم حماس واتهامها بأن تتصرف منفردة على هواها
وتستمر باختطاف القطاع والسيطرة عليه، ومتناسية أن حماس كانت ولا تزال جزءاً من السلطة
(أرادت ذلك أم لم ترده) كونها تمتلك الأغلبية في المجلس التشريعي وسبق أن ترأست حكومة
الوحدة الوطنية وتم التوقيع معها على أكثر من اتفاق للمصالحة والوحدة الوطنية وتفعيل
منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. وقد طرحت حماس نفسها كسلطة مسؤولة
في القطاع منذ انقلابها عام 2007 وتستمر حتى الآن كسلطة أمر واقع هناك مسؤولة عن كل
ما جرى ويجري، وهي إذ تذهب إلى هذا الاتفاق اليوم فهي تذهب بصفتها هذه، وتقبل إسرائيل
بالاتفاق معها بوصفها سلطة الأمر الواقع المسؤولة عن أمور القطاع وعن أمنه بالدرجة
الأولى باعتبار أن قوتها الأمنية هي الموجودة والمسيطرة والمسؤولة عن أمن القطاع داخلياً
وخارجياً.
ثمة
حقيقة تغيبها السلطة في نقدها واعتراضها (السلطة لم ترفض الهدنة من حيث المبدأ بل ترفض
أن تتفاوض عليها حماس مع إسرائيل) وهي أن الهدنة المتوقعة مطلوبة ومرغوبة ومرحب بها
طالما أنها ستوقف الاعتداءات الإسرائيلية وتنهي الحصار وتسمح بإعادة الإعمار والاستثمار.
وكان الأجدر بها أن تتفهم الأسباب التي تدفع حماس إلى ذلك وما قد يترتب عن عدم ذهابها
نحوه، وكان الأجدر أن تسعى السلطة وبكل جهد ممكن من أجل المساعدة على إنجاز الهدنة،
ومن الضروري أن تعمل على مقاربة جديدة تتيح تفهم واستيعاب الاتفاق وتوظيفه في خدمة
الصالح الفلسطيني العام.
ورداً
على هذه الانتقادات وتأكيداً لتمسكها بموجبات المصالحة والوحدة يمكن لحماس أن تضع قيادة
السلطة تباعاً في صورة ما يتم التوافق عليه في الاتصالات بشأن الهدنة، ويمكنها عند
التوصل إلى الاتفاق أن تبادر إلى عرضه على المجلس التشريعي وحكومة التوافق للموافقة
عليه ويمكنها، ولعل هذا هو الأفضل، ان تعرض الاتفاق على استفتاء شعبي عام في القطاع
للموافقة عليه وإقراره، وفي حال تمت الموافقة عليه بأغلبية كبيرة سيحمل ذلك معاني ورسائل
كثيرة سواء لحماس كسلطة أمر واقع مسؤولة أو للسلطة والفصائل الفلسطينية أو حتى لإسرائيل.
والتساؤل
المطروح الآن هو لماذا لا تظهر السلطة كمتفهم ومؤيد أو حتى كموافق وشريك لحماس في إنجاز
الهدنة حتى وان تفاوضت عليها حماس بمفردها؟ فهذا أفضل لإنتاج هدنة متوازنة وللحيلولة
دون ابتزاز إسرائيل لحماس لتدفيعها أثماناً باهظة. والأفضل طبعاً أن تنظر السلطة في
سبل توظيف الهدنة لصالحها وللصالح الفلسطيني العام على أكثر من صعيد. فتوصل حماس للهدنة
سيخفف من غلواء حماس بشأن مقاومتها لإسرائيل ورفضها الاعتراف بها (خصوصاً وأن أبرز
مهام حماس بعد الهدنة ضبط الأوضاع الأمنية في القطاع ومنع أي عمليات عسكرية منه ضد
إسرائيل تماماً كما هو حال السلطة في الضفة أو حالها في القطاع إن عادت إلى ممارسة
سلطتها هناك) الأمر الذي سيقرب المسافة بينهما ويساعد في مقاربة أفضل من كليهما لإنعاش
اتفاق المصالحة والسير قدماً باتجاه تنفيذه واستعادة الوحدة.
ختاماً،
ثمة شكوك حول إمكانية موافقة إسرائيل على اتفاق يحمل فوائد كبيرة لحماس وسكان القطاع
دون أثمان كبيرة جداً قد تضطر حماس لدفعها كونها الأكثر حاجة للهدنة. فالإسرائيلي سيطلب
الكثير مقابل هكذا هدنة، وقد مر وقت طويل على التفاوض بشأنها وربما يمر المزيد منه
لاستدراج تنازلات أكثر خصوصاً مع استمرار تأزم علاقات حماس مع السلطة ومصر وفي داخل
القطاع. فإسرائيل لا تتعجل الاتفاق وهي على العكس تستمهل ذلك في انتظار الحصول على
ما هو أفضل لها وأسوأ لغيرها.
المصدر:
القدس العربي