حماس وغزة في عين
العاصفة
ياسر الزعاترة
أن
يجري إعلان حركة "تمرد" في قطاع غزة، وأن يوعز إلى قطاع من الصحافيين
والمراسلين بلقاء زعيمها "السري"، وأن يقول عزام الأحمد إنهم يفكرون في
كيفية التعامل مع حماس ردا على دعوتها لمشاركة الفصائل في حكم غزة، فهذا يعني أن
إشارة الانطلاق لحملة إقصاء حركة حماس عن حكم قطاع غزة قد انطلقت (هي في حالة
استهداف شامل في الضفة الغربية)، ولم يتبق غير تدفق الأموال وبرمجة التحرك (بدأت
عمليا) من أجل إرباكها، وصولا إلى إسقاط حكمها هناك.
الثورة
المضادة للربيع العربي حصلت على دفعة بالغة الأهمية من خلال الانقلاب الذي جرى في
مصر، وهي وإن لم يستقر وضع انقلابها في مصر تماما بعد، فإن بصرها قد امتد إلى
تونس، بل إلى ليبيا أيضا، فيما الوضع في اليمن تحت السيطرة، مما يعني أن الخطوة
التالية ستكون حماس في قطاع غزة.
ولا
يخفي بعضهم حلمه في استهداف أردوغان في تركيا من خلال سياسات تورطه في أخطاء تفجر
الغضب الشعبي ضده، لا سيما أن جزءا لا بأس به من الشارع يعاديه ولو حوّل تركيا إلى
سويسرا أخرى، وبالطبع لأسباب عرقية وطائفية، فضلا عن أسباب أخرى أيديولوجية وثارات
ذات أبعاد شخصية.
حركة
حماس استشعرت على ما يبدو الخطر القادم، ومن العبث القول إن عرضها مشاركة القوى
والفصائل الأخرى في الحكومة أو إدارة القطاع لا يأتي على هذه الخلفية، وهي خطوة
صحيحة ومقدرة وذكية في آن، وينبغي أن تكون حقيقية وليست مجرد مناورة سياسية لا
أكثر.
قيادة
فتح والسلطة ردت بهجوم شرس على عرض حماس، ورفضته بعنف، بل طالبت الآخرين برفضه، لا
سيما أن القوى الأخرى باستثناء الجهاد كانت ولا تزال خاضعة لنفوذ السلطة، بل إن
بعضها يتلقى التمويل منها مباشرة، ويصعب عليها تبعا لذلك التمرد على "القرار
الرسمي"!
أما
قول قادة فتح والسلطة بأن العرض يكرس فصل قطاع غزة عن الضفة، أو الكونفدرالية كما
سماها عزام الأحمد، فما هو غير حجة للرفض، وبالطبع لأن الحلم باستعادة القطاع وضمه
إلى الضفة في مشروع التفاوض لم يغادر عقل القيادة، وهي التي تعلم أن الوجه الآخر
لاتساع نفوذ محور الاعتدال لا يعني من الناحية العملية غير دعم مسار المفاوضات،
سواء توصلت إلى حل مؤقت (دولة في حدود الجدار)، أم إلى حل دائم لن يبتعد كثيرا عن
روحية وثيقة جنيف وملحقها الأمني (دويلة بائسة بكل المقاييس).
أما
المصالحة التي يتباكى عليها عزام الأحمد وقادته الأكبر منه، فلا تعدو عنوانا لمسعى
ضم للقطاع إلى الضفة في مشروع التسوية إياه، ولكن ضمن إطار انتخابي تفوز فيه فتح
وشركاؤها بالغالبية، ولو بفارق بسيط، لا سيما أن الطرف الإسرائيلي، والأميركي،
والآن عرب الاعتدال، يريدون ذلك بكل قوة.
من
الناحية الإسرائيلية كان انفصال القطاع عن الضفة مريحا إلى حد كبير، فقد تورطت
حماس في السلطة، واضطرت إلى تهدئة مع الاحتلال، وإن أذلته في حربين كبيرتين توجتا
بانتصارين رائعين.
لكن
الموقف لم يعد كذلك، فالمطلوب الآن هو أن يُضَمَّ القطاع إلى التسوية التي تطبخ
حاليا، أما الأهم فهو أن القطاع لم يغادر مربع المقاومة بحال، إذ يراكم من أسباب
القوة ما يخيف العدو ممثلا في ترسانة أسلحة لم يسبق أن توفرت في أي جزء من فلسطين
منذ بدء الاحتلال، مما يعني بالنسبة للصهاينة مخاطر كبيرة لا بد من التعامل معها،
في حين يبشرهم محمود عباس (كما في حديثه لأعضاء حزب ميريتس) بأن دولته العتيدة
ستكون منزوعة السلاح، باستثناء قوة شرطة قوية.
الذين
يطلقون العنان لحركة "تمرد" تلك يتجاهلون هذا البعد، وهم أصلا غير
معنيين بمصطلح المقاومة، بل إنهم يرفضون حتى الجانب الشعبي منها، فضلا عن المسلح،
وما يعنيهم هو فقط النكاية الحزبية وتصفية الحساب، ولتذهب فلسطين وقضيتها إلى
الجحيم.
وهم
أيضا يتجاهلون كيف سعى دحلان بعد انسحاب الاحتلال من القطاع إلى مصادرة أسلحة
الفصائل، بينما هي الآن تحتفظ بأسلحتها، بل ضاعفتها أضعافا كثيرة منذ الحسم
العسكري، يونيو/حزيران 2007.
دور
نظام الانقلابيين في مصر في هذه المؤامرة سيكون حيويا، وهو الذي سيمنح القوة
والغطاء والدعم، بل والملاذ للمتآمرين، وهو الذي سيضغط على حماس والناس بإغلاق
المعابر وتدمير الأنفاق، لكن عليه أن يتحمل غضب الشارع العربي تبعا لذلك.
في
سياق الرد على حملة "تمرد"، لا بد من التعامل مع أية احتجاجات ينظمها
أزلام دحلان بكثير من المرونة والذكاء، بعيدا عن أية وسائل عنف، في ذات الوقت الذي
يحشد فيه الناس في الشوارع ردا على أية حشود انقلابية، طبعا من دون احتكاك بين
الطرفين، والخلاصة أنه بقدر من الحكمة والذكاء وتجنب العنف يمكن لهذه الموجة أن
تنتهي.
لكن
الأهم من ذلك، وفي سياق المواجهة أيضا، هو طرح مشروع شامل للقضية برمتها، وهو
المشروع الذي ما لبثنا ننادي به منذ 2007، والذي أصبح أكثر أهمية وحيوية الآن في
ظل مفاوضات لن تكون كسابقاتها، بل ستنتهي بتصفية للقضية إما بحل مؤقت سيغدو دائما
بعد حصول الدولة المؤقتة في حدود الجدار على اعتراف أممي يجعل من نزاعها مع جارتها
مجرد نزاع حدودي لا أكثر، أو بحل دائم مشوّه يشطب القدس وقضية اللاجئين، فضلا عن
السيادة وأجزاء حيوية من الضفة.
ويتمثل
المشروع الشامل للقضية بتشكيل جبهة عريضة من كل القوى التي ترفض الحلول المشوهة،
ويتمثل طرحها في إدارة بالتوافق للقطاع والضفة (تكون إدارية فقط)، وانتخاب قيادة
مشتركة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس للسلطة، تقود الشعب في انتفاضة
شاملة عنوانها دحر الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة اللاجئين دون
قيد أو شرط، كمقدمة لتحرير كل فلسطين.
وفي
الأثناء، ولأن قيادة السلطة (وفتح تبعا لها) سترفض ذلك، يجري الاتفاق على إدارة
مشتركة بالتوافق للقطاع كبقعة محررة، وقاعدة للمقاومة.
ولعل
حركة الجهاد ستكون الأقرب لهذا الطرح، بوصفها أهم القوى التي تؤمن بفكرة المقاومة،
وهي أيضا تخزن السلاح لهذا الغرض، وتعلم تماما مصيره في حال سيطر الآخرون على
القطاع، مع ضرورة الحرص على مشاركة فصائل أخرى أيضا، وإذا رفضت بضغط من قيادة
السلطة أو لأسباب أخرى، فليشارك في الحكومة مستقلون من الرموز ذات المصداقية في
القطاع.
من
الآن، يجب أن تشن حرب تجريم لفكرة "تمرد"، مع طرح المشروع الآنف الذكر،
ومن ضمنه برنامج الإدارة الموسعة للقطاع، والذي سيخفف بالضرورة من القبضة الأمنية
التي تتسبب في بعض الإشكالات (هي خفّت كثيرا في واقع الحال)، من دون السماح
باختراقات من قبل الاحتلال، لأن القطاع كان ولا يزال في حالة حرب، ولا يمكن تبعا
لذلك السماح بانفلات الأوضاع.
وما
راكمته المقاومة في هذه البقعة هو رصيد لفلسطين وقضيتها، ولا يمكن أن يجري التفريط
به في ألعاب بهلوانية لأناس مدفوعين بروح حزبية، وتمولهم جهات عربية لا تريد خيرا
لا لحماس، ولا لفلسطين ولا لقضيتها، بقدر ما يعنيهم إنهاء أي شكل من أشكال التمرد
في المنطقة، وذلك كي تستقر أنظمتهم الشمولية فقط لا غير.
الجزيرة.نت،
5/9/2013