حماس ومحور المقاومة: الضرورات والخيارات
بقلم: حمزة عباس جمول
تعددت الآراء حول مستقبل العلاقة بين محور المقاومة
وحماس، وخصوصاً بعد الخلاف الاستراتيجي الحادّ الذي برز خلال الحرب على سوريا. حماس
التي «ترعرعت وشبّت» في سوريا، هجرتها بل خانتها في مرحلة كان مطلوباً منها موقف نبيل
يتمثّل في الدفاع عن وحدة التراب السورية ومواجهة الإمبريالية الصهيونية (العدو الأول
لحماس). كان لسقوط المشروع السياسي الإخواني وقع الزلزال المدمّر على «درّة تاج الإخوان»،
كما يصفها سامي كليب (برنامج لعبة الأمم، حماس النجاة من فخّ الربيع العربي، الميادين
17 تموز 2013). فمصر أصابتها الكارثة، السلطان التركي انتهى مفعوله والأمير القطري
أُحيل على «التقاعد»، ومصير تونس يتجه إلى المجهول.
تجدُ حماس نفسها اليوم أمام واقع إقليمي صعب، فهي
خسرت جميع معاركها العسكرية والسياسية؛ غدرت بالحلفاء، أخوة التنظيم سقطوا في ميدان
«الجهاد»، وحلم الدولة الإسلامية المبنية على إمارات مبعثرة أصبح في خبر كان.إذاً السؤال
الذي يُثار في هذا المجال هو: هل تبدّل أولويات حماس انقضاء لحلف كان قائماً، أم مجرد
اختلاف يمكن تجاوزه؟
بالرغم من أن مصطلح حلف، ووفقاً للمفكر دايفيد إدوارد،
يُطلق على «الالتزام التعاقدي المتبادل بين الدول، والمبني على أساس المصالح المشتركة»،
فإنّ من الممكن وصف العلاقة القائمة قبل الحرب على سوريا بين حماس ومحور المقاومة بعلاقة
أحلاف مبنية على مصالح وأهداف استراتيجية واضحة ومحددة بإقليم جغرافي معين. من هذا
المنطلق يمكننا أن نرى ووفقاً لهانز مورغنثاو أنّ التحالف القائم آنذاك كان «مثالاً
نموذجياً لتحالف يخدم مصالح متطابقة identical».
تتأثر علاقة الأحلاف بعوامل المد والجزر السياسية،
ولهذا فإنها قد تتطور، تتدهور، تتزعزع وتنتهي ومن ثم قد تعود ثانية. إنّ تغيير أحد
الحلفاء سياسته بسبب تبدّل العلاقات الدولية يُعدّ من أهم أسباب انقضاء العلاقة بين
الحلفاء، وهذا بالفعل ما حصل في العلاقة بين حماس ومحور المقاومة. فالحركة خرجت من
الحلف وشاركت في الحرب ضد سوريا، وبدّلت أولوياتها الاستراتيجية والتحقت بالحلف الواقعي «DE FACTO» مع تنظيم الإخوان المسلمين. هكذا أصبحت
فلسطين في المرتبة الثانية من الأولويات، لكون محاربة قلب محور المقاومة سوريا والدفاع
عن فلسطين لا يجتمعان أبداً.
إن إعادة العلاقة إلى ما كانت عليه ليست بالمهمة
السهلة، وخصوصاً أن جمهور المقاومة ناقم على حماس بسبب خيانتها، وبدأ يطرح الأسئلة
عن الضرورات والخيارات لإعادة العلاقة. في هذا المجال لا بد من الابتعاد عن العواطف
والمشاعر، والاقتراب أكثر إلى الاستراتيجيا ولعبة المصالح. لفهم ضرورة عودة حماس، احتوائها
أو استيعابها لا يجوز التوقف فقط عند حدود الحلف بحد ذاته، بل على تأثير هذا الحلف
على إقليمه، وعلى العلاقات الدولية. من هذا المنطلق من الممكن تلخيص الضرورات بالتالي:
1ــ مركزية القضية الفلسطينية
إن القضية الفلسطينية هي النواة المحركة لمحور المقاومة،
فالمقاومة اللبنانية بقيادة الإمام الصدر، سوريا حافظ الأسد، وإيران الثورة الإسلامية،
جعلت من فلسطين بوصلاتها الرئيسية، وهذا ما جدده وأكد عليه الأمين العام لحزب الله
في خطابه في يوم القدس، إذ قال «نحن في حزب الله، الذين تربينا في مشروع المقاومة،
على هذا تربينا وعشنا، والدفاع عن لبنان وفلسطين وعروبتهما عجن بدمنا، وورثناه من آبائنا،
وسنورثه لأولادنا، وقدمنا في سبيله فلذات اكبادنا»، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على العلاقة
مع كل الفصائل الفلسطينية، انطلاقاً من الانضواء تحت عنوان فلسطين، «سنبقى إلى جانب
فلسطين وشعبها، ونحن حريصون على العلاقة الطيبة مع جميع الفصائل والقوى الفلسطينية،
وإن كنا نختلف معها على بعض العناوين، التي قد تتصل بفلسطين وسوريا».
2ــ تحقيق توازن كامل للقوى
مع "إسرائيل"
إن محور المقاومة، ومن خلال الجبهة اللبنانية، استطاع
تحقيق توازن للقوى وللرعب مع إسرائيل، أسهم في تعديل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.
إنّ هذا التوازن من وجهة نظر المقاومة لن يكون كاملاً إلا ببقاء حماس ضمن هذا المحور،
لكون فلسطين خاصرته الأضعف. من هذا المنطلق كان الدعم الكامل لحركة حماس، وانتصرت في
حرب 2009. من يقرأ كتاب «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا! معركة إضعاف حزب الله» لمؤلفه داني
بركوفيتش، يجد أن ما يشغل بال الإسرائيلي هو كيفية إضعاف حزب الله، ومن إحدى الطرق
المتاحة حسب الكاتب هي «قطع العلاقات المحورية مع الجماعات المقاومة في المنطقة»، ومنها
حماس.
3ــ مواجهة الفتنة المذهبية
بعد فشل استخدام القوة العسكرية الأميركية في أفغانستان
والعراق في تحقيق الأهداف، كانت الأولوية للقوة الناعمة، لكونها تحقق الأهداف الأميركية
في السيطرة على العالم العربي، من دون اللجوء إلى القوة، ووفقاً لجوزيف ناي عن طريق
«الجاذبية بدلاً من الإرغام او دفع الأموال» (القوة الناعمة، ص 12- 27).تُعد الفتنة
المذهبية بين السنة والشيعة من أخطر ما تواجهه المنطقة، لذلك تسعى قيادة محور المقاومة
إلى توحيد الصف الإسلامي وتوجيه ضربة صاعقة إلى أميركا، من خلال احتواء حماس، ومواجهة
الفتنة المذهبية، وخصوصاً بعد إلباس حزب الله الثوب المذهبي والطائفي بسبب تدخله في
سوريا. من هذا المنطلق تأتي موافقة حزب الله على التفاوض مع حماس، ومن أجل مواجهة الحرب
الناعمة «التي يخوضونها علينا لتعديل البوصلة من فلسطين إلى داخل بلداننا العربية والإسلامية، إلى
المحاولات اللئيمة لإثارة الفتنة بين السنة والشيعة» وفقاً للشيخ نعيم قاسم (كلمته
في حفل إفطار هيئة دعم فلسطين، 29 ــ 7 ــ 2013).
تعيش حركة حماس أسوأ عزلة سياسية في تاريخها، وأصعب
أزمة مادية في ظل انقسام داخلي. أمام هذا الوضع ليس للحركة إلا خيار العودة إلى محور
المقاومة، وبشروطه هذه المرة، لكونه في موضع القوة.إن خياراً كهذا يجب أن يترافق مع
خطوات جريئة من أجل إعادة الثقة المفقودة، تتمثل في تغيير هيئة المكتب السياسي للحركة،
التأكيد على أن القضية الفلسطينية ومقاومة "إسرائيل” هي أولوية الحركة، الانسحاب من
المعارك العسكرية ضد الجيش في سوريا، والوقوف بجانبه سياسياً وعسكرياً لو اقتضى الأمر.
إن العودة إلى المبادئ والتخلي عن الملاءمة في العلاقة مع محور المقاومة، سيكونان بمثابة
امتحان يجب على الحركة تجاوزه بامتياز. في المقابل إن لمحور المقاومة باقة من الخيارات،
وخصوصاً أنه يحقق انتصارات في الحرب الكونية السورية، التي تقف حماس فيها مع الطرف
المعادي، مما يعزز فرضية البعض القائلة إن محور المقاومة بالغنى عن حماس، إضافةً إلى
أنّ حماس بدأت تفقد من نجوميتها في الشارع السني، على نحو خاص في مصر، وان باقي الفصائل
الفلسطينية «السنية» والشارع القومي العربي «السني» سيقف بجانب المحور المقاوم لمواجهة
الفتنة السنية الشيعية.
لقد أظهرت حماس في الآونة الأخيرة قدراً متطرفاً
وخطيراً من البراغماتية، جعلها تبدّل الأحلاف والأوليات وفقاً لتغيير الظروف المحيطة
بالمنطقة، مما يستدعي التأني في حسم المفاوضات الجارية معها، واستيعابها تدريجياً لإخراجها
من الحلف المُعادي. إن هذا القرار لو اتخذ، فلن يكون خارجاً عن الإجماع ما بين دمشق،
وطهران وجبل عامل، وبدوره سيرحّب شعب المقاومة بهذا القرار، إيماناً منه بحكمة قيادته،
ولكن سيكون حال لسانه يقول «منخلي الموس بالعين من أجل القضية».
* باحث سياسي
المصدر: الأخبار