القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

حماس ومصر.. خطوة للوراء

حماس ومصر.. خطوة للوراء

د. عدنان أبو عامر

منذ إطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي يوم الثالث من تموز يوليو الماضي، شعرت حماس بأن زلزالاً مدوياً أصابها، سواء بسبب ارتباطها الأيديولوجي بجماعة الإخوان المسلمين، أو التبعات السلبية المتوقعة على غزة، حيث تسيطر فعلياً، وهو ما تم بالفعل في ضوء الإجراءات المصرية المتمثلة بإغلاق معبر رفح الحدودي، وهدم 80% من الأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء، بجانب الحملات الدعائية المسيئة للفلسطينيين في الإعلام المصري، وكان آخرها المنطقة الأمنية العازلة بين مصر وغزة.

وبعد مرور أكثر من شهرين على هذه الأحداث، تشعر بعض الأوساط في غزة أن الأوضاع المصرية في طريقها للاستقرار، وإن كانت تعيش أجواء متوترة أمنياً ومتراجعة اقتصادياً، في ضوء جملة عوامل، أهمها: حجم الضغط الأمني على الإخوان المسلمين داخل مصر من جهة، وجملة القرارات الداخلية التي أصدرتها السلطات المؤقتة كتعيين لجنة الدستور، وبدء الحديث عن مواعيد للانتخابات البرلمانية، من جهة أخرى، وانشغال الدول العربية والمجتمع الدولي عن مصر بالملف السوري من جهة ثالثة.

ولذلك، سرت في الأيام الأخيرة نقاشات جادة حول فتح صفحة جديدة للتعامل مع الواقع المصري، في محاولة لتخفيف حدة الاحتقان بين الجانبين، في ضوء أن الفلسطينيين هم الأكثر تضرراً في الإجراءات المصرية المتواصلة.

وقد تمثل ذلك في اللقاء التلفزيوني غير المسبوق مع د.موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، أوائل الشهر الحالي، حين قدم اعتذاراً علنياً للجيش المصري، باعتباره "خطاً أحمر"، رافضاً انتقاد الجنرال السيسي، من قبل بعض رموز حماس، وأكد على وجوب محاسبتهم، في ضوء تفهم الكثيرين لموقع أبو مرزوق الجغرافي الحساس، فهو ما زال يقيم في القاهرة، وخرج على قناة تلفزيونية لا تخفي عداءها للإخوان المسلمين، وتأييدها لخطوات الإطاحة بمرسي، ونظر إليه كـ"مطفئ حرائق" بين الجانبين.

لكن الإجراء الأكثر بروزاً من حماس تمثل بزيارة إسماعيل هنية رئيس حكومتها بغزة للحدود مع مصر، على رأس وفد ضم نواباً ووزراء وقادة أجهزة أمنية، وشاهد حفارات وآليات عسكرية مصرية متوقفة خلف الحدود قرب بوابة صلاح الدين، حيث طالب قوات الأمن الفلسطينية بضبط النفس، وتأمين الحدود مع من وصفها بـ"الشقيقة مصر".

فيما دعا وزير الأوقاف بحكومة غزة إسماعيل رضوان، الخطباء والوعاظ خلال لقائهم به قبل أيام، لتجنب الحديث عن مصر، بما قد يثير حفيظة المصريين، خلال دروسهم الدينية وخطب صلاة يوم الجمعة، مع العلم أن خطباء المساجد هم من يصدرون الموقف السياسي لحماس، وإن كان بصورة غير رسمية، ويتلقون ما الذي تريده الحركة إيصاله لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يؤمون المساجد كل يوم جمعة.

في المقابل، تراجعت حدة التصريحات الصادرة عن حماس المحذرة من قيام الجيش المصري بهجوم عسكري على قطاع غزة، حيث أكد صلاح البردويل القيادي في الحركة أن شن مثل هذا الهجوم غير متوقع، قائلاً: لا نشعر بالخوف على الإطلاق من أي حصار أو تضييق من مصر ضد غزة.

أكثر من ذلك، فإن حراكاً داخلياً تعيشه حماس لمواجهة الضغط الاقتصادي و"الخنق المعيشي" الذي يمارس على قطاع غزة، بفعل إغلاق المعبر وهدم الأنفاق، مما يتوجب قيام رد فعل فلسطيني لمواجهته، على الأقل من خلال مظاهرات واعتصامات سلمية، لكن مكمن الخوف الذي يحيط بمثل إصدار هذا القرار أن يغلب على المسيرات الطابع العفوي، والشعارات المستفزة للمصريين، ورفع اليافطات المؤيدة للإخوان المسلمين، والمنددة بالجيش، مما يعني أن تأتي هذه الفعاليات بهدف عكسي، وتصب مزيداً من الزيت على نار العلاقات المشتعلة أصلاً مع المصريين.

في ذات الاتجاه، لا يبدو أن التوجه الذي تنوي حماس القيام به قريباً على نار هادئة، يجد في المقابل جهداً مصرياً للتخفيف من حدة الأزمة، بل إن الإعلام المصري في معظمه يسير باتجاه "شيطنة الفلسطينيين"، وتحميلهم مسئولية ما يحصل في سيناء من حوادث أمنية.

ووصل الأمر بأن أوقفت محكمة مصرية القرار الصادر من الرئيس المعزول مرسي، بمنح الجنسية المصرية لـ50 ألف فلسطيني من غزة، وما يترتب على ذلك من آثار، رغم أن القرار اتخذه مرسي بالتوافق مع جميع الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية في حينه.

كما يتحدث مسافرون فلسطينيون مغادرون لقطاع غزة عبر معبر رفح، عن ممارسات "لا إنسانية" تتخلل نقلهم من معبر رفح لمطار القاهرة وبالعكس، عبر وضعهم في حافلات أمنية بصورة متكدسة، بجانب أن الإحصائيات الصادرة عن هيئة المعابر في غزة تتحدث عن أزمة إنسانية متفاقمة يمنع بموجبها عشرات آلاف الفلسطينيين من السفر، وأن الجانب المصري يبرر دائمًا إغلاقه للمعبر بحجة الأوضاع الأمنية الصعبة في سيناء، إضافة لوجود خلل في شبكة الحواسيب، وهو ما يسفر عنه قلق دائم لدى حماس، مشيراً إلى ما يقارب 6 آلاف فلسطيني مسجلين في كشوفات الحكومة، وهم بحاجة ماسة للسفر للحفاظ على مصالحهم.

أخيراً..فإن التوصيف الأكثر دقة لما يعتقد أنه سياسة جديدة من حماس تجاه مصر، هو تطبيق القاعدة العسكرية القائلة: التراجع خطوة للوراء للتقدم عشر خطوات للأمام، لأنها مصر أنبوب الأوكسجين الذي تتنفس منه الطعام والشراب والهواء، ما يحتم البحث عن آليات جديدة لإعادة المياه لمجاريها معها، أملاً بأن تنجح.

فلسطين أون لاين، 22/9/2013