حماس ومصر نحو تصويب
العلاقة
بقلم: د. عدنان أبو
عامر
ليس سرًّا أن أكثر
الفرحين بفوز د.محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية بعد الإخوان المسلمين هي حركة
"حماس"، عقب فرحها الأول بفوزها في انتخابات مجلس الشعب، انطلاقًا مما تعده
أدبيات مسلمة تتلخص في أن عنصر قوتها الإقليمي الأكبر يتركز في القاهرة، وهو ما جعلها
تعيش أشبه ما يكون بـ"شهر عسل" أعقب سقوط النظام السابق؛ لما كان يشكله من
حالة عداء مستحكمة معها.
ولما كان الحال كذلك
اعتقدت "حماس" أنها وجدت البديل الملائم، وزيادة، بعد فقدانها للأراضي السورية؛
بسبب موقفها المساند للثورة الشعبية المشتعلة ضد نظام الأسد، ولئن كانت إقامتها الجغرافية
في دمشق طوال عشر سنوات انطلقت من توافقات مصلحية مع النظام، ترتبط بالعداء مع (إسرائيل)،
رغم الاختلاف الجذري في الفكر الديني؛ فإن انتقالها التدريجي إلى عدد من العواصم العربية
_ومنها القاهرة_ امتزج به البعد المصلحي مع التوافق والانسجام الفكري و"الأيديولوجي"،
لاسيما أن حماس المسيطرة على غزة تعد نفسها "الابن الشرعي" لجماعة الإخوان
المسلمين الحاكمة في مصر.
وربما كان أكبر شاهد
على تبدل الحال في مصر، وتغير الظروف لمصلحة حماس؛ الحدث التاريخي الكبير الذي استهل
به الرئيس مرسي ولايته الرئاسية باستقبال قيادة الحركة في القصر الرئاسي، بعد أن كانت
تمنع القيادة نفسها أحيانًا من مجرد دخول مصر، والتعامل معها بمنظور أمني سلبي يصل
أحيانًا إلى درجة الإهانة. هنا أدركت قطاعات واسعة في حماس بما لا يدع مجالًا للشك
أن مصر باتت الحديقة الخلفية لقطاع غزة، وليس العكس، وبات معبر رفح يشهد ذهابًا وإيابًا
لمئات من عناصرها يتجولون في المحافظات المصرية، واحتضنت غزة عشرات الوفود الإخوانية
القادمة إليها من مصر، ما منح الحركة فرصة للاعتقاد _ولو مدة من الزمن_ بأن "العصر
الذهبي" الذي عاشته في دمشق جاء الربيع العربي ليستبدل به "عصرًا ماسيًّا"
في القاهرة.
ولكن سرعان ما استيقظت
حماس على واقع جديد حرمها فرصة الاستغراق في هذا التفكير الرومانسي والطموح الرغبي،
بعد أن بدأت عصي المعارضة توضع في دواليب الرئاسة المصرية، وكيل سيل من الاتهامات للرئيس
مرسي، سواء بـ"أخونة الدولة" من الداخل، أم "احتضان حماس" من الخارج،
ما يعني أن الحركة تحولت إلى نقطة ضعف للإخوان المسلمين.
وهو ما دفع عددًا
من قادة الإخوان المسلمين للتلميح لنظرائهم في حماس أو التصريح لهم بضرورة الابتعاد
قليلًا عن المشهد المصري، لاسيما أن جميع الزيارات التي يقوم بها نشطاء الحركة إلى
مصر لابد أن تشمل بالضرورة زيارة أساسية إلى مكتب الإرشاد العام للجماعة، ولقاء المرشد
العام محمد بديع.
هنا وقعت حماس في
خطأ تحاول استدراكه اليوم، يتمثل بأنها لم تستغل جيدًا المساحة المتاحة لها في المحافظات
المصرية في العهد الجديد، ولم تكلف نفسها عناء التواصل مع باقي مكونات الثورة من علمانيين
ويساريين وقوميين، وزاد شعورها بالحرج أكثر فأكثر بعد مقتل الجنود المصريين في شهر
آب (أغسطس) الماضي، رغم إدانة حماس للمذبحة، وتقديم التعازي، والتعهد بالتعاون مع أجهزة
الأمن المصرية للوصول إلى الجناة الفاعلين.
الحرج الكبير الذي
وقعت به حماس أنها كانت في ظل النظام السابق المعادي لها تحظى باحتضان شعبي مصري، أما
هي الآن فتشعر بانقلاب الصورة، ففي الوقت الذي جاء للحكم الإخوان المسلمون، وشعرت أنها
حققت أكبر طموحاتها؛ ها هي تلحظ حدوث شرخ في صورتها الناصعة البياض بنظر الرأي العام
المصري.
وجاءت موافقة القاهرة
على احتضان قيادة حماس السياسية، وحدوث الانتخابات الخاصة برئاسة المكتب السياسي لها
على أراضيها قبل أيام؛ لتطمئن الحركة إلى أن صناع القرار المصري ليس واردًا أن يطووا
صفحتها، أو يحدثوا قطيعة نهائية معها؛ ليس بالضرورة حبًّا في سواد عيون قادتها، ولكن
لأن مصر مبارك كما مصر مرسي ليست من السذاجة لأن تفسح المجال لأي قوة إقليمية أخرى
للإمساك بورقة حماس.
أضف إلى ذلك أن المتابع
لأداء حماس السياسي والإعلامي سيخرج برؤية أنها تنطلق من تقويمها لما يحدث في مصر،
ليس بعدّه خلافًا داخليًّا، لا شأن للفلسطينيين به، كما هو الحال في أي دولة أخرى،
بل ترى نفسها معنية به منخرطة فيه، ويعلن بعض متحدثيها ورجال الدين المقربين منها تلميحًا
أو تصريحًا أنها تقف مع مرسي والإخوان، وتعتقد أنها المهددة الأولى من أي خسارة محتملة
للإسلاميين في الصراع الدائر، ما يستفز القوى المصرية الأخرى، ويجعلها تقحم حماس فيما
هو حاصل بينها.
حماس مطالبة بفهم
حقيقة تاريخية إستراتيجية "جيو-سياسية": أن حكمها لقطاع غزة يتطلب أن تكون
على وفاق مع صانع القرار في القاهرة، إن لم تك علاقات ودية ساخنة فعلى الأقل ألا تصل
إلى مرحلة القطيعة.
أخيرًا: حماس مطالبة
بأن تتحسب لتقديرات قد تبدو من خارج الصندوق اليوم، كأن تتدهور الأوضاع في مصر وتصل
إلى عواقب صعبة وكبيرة، ما يستلزم أن تبدو أقل تعاطفًا مع مؤسسيها الأوائل (الإخوان
المسلمين)، وأكثر تواصلًا مع خصومهم، ليس بالضرورة من باب "الميكافيللية"،
وإن كان ذلك جائزًا في العمل السياسي، لكنه جزء من مد شبكة العلاقات مع مصر كلها، من
أقصاها إلى أقصاها: جغرافية وسياسية وأفكارًا، فهل تراها فاعلة؟
فلسطين أون لاين،
8/4/2013