القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

حماس وواجب الريادة الوطنية

حماس وواجب الريادة الوطنية

بقلم: عبد الله العقاد

(1) بدون شك كانت حماس في انطلاقتها إبَّان الانتفاضة الأولى نقلة نوعية للعمل الشعبي المقاوم، فقد أسهمت إسهامات مشكورة في الفعل الثوري وتعزيز الانتماء الوطني الفلسطيني، وعملت على إحياء ما اندرس من قيم نبيلة، وأعادت الاعتبار للهوية الوطنية الإسلامية في مواجهتها للثقافات الوافدة والأفكار الداعية إلى الإلحاد والقيم الهابطة.. وغير ذلك الكثير.

لكن ماذا على حماس حتى تكون رائدة في قيادة المشروع الوطني نحو إنجاز التحرير الكامل لكل التراب الفلسطيني؟.

نعم، سؤال يُوجب على حماس كحركة وقيادة إجابة عملية كي تدشن هذا الاستحقاق الوطني، سيما وأن الإرادة الشعبية الحرة قد قدمتها في مواقع عدة، فمن أبرزها ما كان في نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وما سبقها من انتخابات مجالس البلديات وكذلك الانتخابات النقابية والطلابية.

(2) وهذا ما يعكس قوة حضور هذه الحركة الفلسطينية الوطنية في ضمير ووجدان الشعب الفلسطيني الذي اختبرها في محكَّات وطنية كبرى ونجحت في تجاوزها بأقل كلفة وأكثر جدوى، فاحتملت مشقة الصعود الثوري، حيث قدمت نماذج في العمل الوطني الميداني والسياسي أصبحوا رموزاً وطنية تتغنى بها الأجيال.

وأعدت جيدًا في بناء جيش وطني قوي (كتائب عز الدين القسام) في ظروف بالغة الصعوبة، وأنتجت سلاحها الذي قصفت به في الحروب الثلاث كبرى المدن المحتلة سنة 1948م، ومنظومة أمنية مشهود لها بالكفاءة والمهنية في حفظ الجبهة الداخلية من أية اختراقات خارجية.

كما أنشأت حماس منظومة مؤسسات تعليمية واجتماعية ورياضية واقتصادية كانت محط إعجاب وتقدير في أوساط الشعب الفلسطيني، وشيدت منظومة من العلاقات الوطنية قائمة على الاحترام المتبادل وتبادل الأدوار بما يخدم المصالح الوطنية الكبرى.

وأكثر من ذلك استطاعت حماس ترجمة الإرادة الوطنية في مواجهة الاحتلال، وامتلكت إرادة الفعل الثوري في ظل استسلام حركة فتح كتنظيم أمام تفرد السيد عباس الذي يقودها نحو مسار وحيد وخيار أوحد بعد أن جردها من كل أوراق القوة التي لا يؤمن بأهمها وهي المقاومة المسلحة.

فلم يعد في الساحة الإقليمية والدولية حقيقة من يتجاوز حماس في أي ترتيبات قد تطرح إقليمية أو فلسطينية، فقد أصبحت حركة صانعة للأحداث متفاعلة معها في إطار رؤية وطنية فلسطينية بعيداً عن المحاور المتنازعة.

(3) فقد عملت حماس جاهدة للنأي بنفسها عن الخلافات العربية الإسلامية البينية, بل تقدمت خطوة في هذا المضمار إذ حرصت على توحيد المواقف العربية والإسلامية لنصرة القضية الفلسطينية تحت شعار (فلسطين والقدس توحدنا).

ما كان لحماس أن تتصدر المشهد الفلسطيني المقاوم وتتسيَّد في ميادين المواجهة مع الاحتلال، لولا أنها أعدت لهذا الأمر إعداداً مشكوراً، فكان له أثره المباشر في رفعة مكانة القسام بين الأذرع المقاومة.

وهذا ما يوجب على حماس أن تعمل جاهدة؛ لتستكمل بناء ذاتها في مضمار العمل السياسي من خلال حزب سياسي وطني جامع، يعمل وفق برنامج وطني يتسع للكل الفلسطيني، ويأخذ على عاتقه قيادة الدفة السياسية نحو التحرير لكل فلسطين، وإن تطلب الأمر مرحلية التحرير فهذا ما يسعه فقه السياسة الشرعية ما لم تقر لباطل بحق لا يستحقه.

كما أن الواجب على حماس بناء استراتيجية مجتمعية، تأخذ في عين الاعتبار التنوع الثقافي، والتعددية السياسية والدينية، وإن كان الشعب الفلسطيني في أغلبه الأعم مسلمَ الديانة سنيَّ المذهب إلا أن الجميع يجب أن يكونوا شركاء في المصير وشركاء في القرار.

(4) والواجب كذلك على حماس وهي في نحوها لريادة المشروع الوطني الفلسطيني أن تعيد خطابها الإعلامي بما يتوافق مع الارتقاء النوعي لحالتها التنظيمية، وقراءتها للمشهد السياسي، وإيمانها بالتنوع الثقافي للمجتمع الفلسطيني.

وكما أن الواجب في تصدر المشروع الوطني كفاية حاجات الناس الأساسية من خلال بناء اقتصادي وطني حقيقي يوفر حياة كريمة، يحافظ على الطبقة الوسطى ويردم الفجوات الاجتماعية المتفحشة.

والواجب كذلك لتصدر المشروع الوطني أن توظف حماس كافة الشرائح المجتمعية في مشروع التحرير، وتحسن توجيه الكل الفلسطيني في كل مناطق تواجده في الداخل الفلسطيني أو في الشتات نحو خيار التحرير، بعد تحديد الواجب على كل منطقة يتواجد فيها الفلسطينيون.. فالواجب الوطني في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة غيره في حق الشعب في الضفة الغربية وغير ذلك يكون في حق الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل 48.

(5) وهكذا حتى ينتظم الشعب الفلسطيني في إطار منظومة وطنية كبرى تأخذ على عاتقها جميعاً كلفة التحرير ولا يُترك جزء من الوطن _كما هو الحال في غزة_ ليسدد فواتير التحرير وحده، فإذا ما انتظم الكل الفلسطيني في مشروع وطني يحترم فيه التنوع الثقافي والسياسي, ينعكس هذا الاحترام على لغة الخطاب الإعلامي والممارسات الإجرائية، عندئذ يمكن العمل الجاد على توظيف العمق العربي والإسلامي والإنساني في خدمة قضايانا الوطنية المصيرية، والتصدي بكل الأدوات الممكنة في مواجهة الاحتلال العنصري الغاشم.

فإن حماس اليوم وكل القوى الوطنية الحية على عاتقها حمل ثقيل وأمانة وطنية كبرى، فلا ينبغي بحال أن تتلكأ في القيام بهذا الواجب إن كانت تريد أن تنجز مهمة التحرير مع الشعب الفلسطيني نيابة عن الأمة.

المصدر: فلسطين أون لاين