حماية الأقصى على الأقل
بقلم: بشارة مرهج
اقتحام
المسجد الأقصى لم يعد احتمالاً يخشاه المواطن الفلسطيني ويحذر من حدوثه بصورة شبه
يومية عبر المواقف والنداءات والمجابهات. واقتحام الاقصى لم يعد طموحاً خيالياً
يتطلع إلى تحقيقه المستوطن الصهيوني الذي جاء بالامس من مدن اوروبا الشرقية
وسواها. فالمسجد الأقصى كما نعرف جميعاً ـ وربما كما نتجاهل جميعاً ـ يتعرض اليوم
كما بالامس إلى اقتحامات دورية في اطار خطة مدروسة تم وضعها منذ زمن بعيد، وتتعاون
على تنفيذها أجهزة حكومية وقوى صهيونية وعالمية آلت على نفسها إسقاط كل الاعتبارات
السياسية والحواجز المعنوية التي تحول دون احتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين
الشريفين بالتزامن مع عملية محمومة مستمرة لتهويد القدس وتغيير معالمها وتزوير
هويتها وتهجير اهلها وصولاً إلى تهويد الاراضي الفلسطينية كلها وبناء الدولة
اليهودية على ارض فلسطين التاريخية.
لقد
اصبح معروفاً لدى القاصي والداني، خصوصاً لأتباع واشنطن وزوار تل ابيب، ان الأقصى
لم يكن يوماً في دائرة الحرم أو القداسة لدى الطرف الاسرائيلي الاميركي حتى يجنبه
اقدام الجنود وطلقات البنادق وانما كان ولا يزال هدفاً «دائماً» ينبغي التصويب
عليه والعمل على تقويضه على مراحل تمهيداً لبناء الهيكل مكانه.
وانطلاقاً
من هذه السياسة الثابتة اصبح الانتهاك هو القاعدة، وترويع المصلين أو منعهم مشهداً
عادياً، والحفر تحت المسجد عملاً يومياً.
والمفارقة
المؤلمة انه بعد كل هذه العقود من الاستباحة للأقصى التي تخللتها حرائق وحفريات
واعتداءات لم يتقدم الموقف العربي الرسمي خطوة واحدة لمواجهة الجريمة الصهيونية
المتمادية إلا بالكلمات المحنطة والتنازلات الفعلية التي كان آخرها مبادرة التنازل
عن اراضٍ فلسطينية، تلك المبادرة المذلّة التي حملها من لا يملك تفويضاً إلى من
احترف العداء للشعب الفلسطيني.
ومن
المفجع ان انظمة وقوى عربية واسلامية وديموقراطية عدة تتعامل مع الاعتداءات على
الأقصى وكأنها احداث عادية لا تستدعي الرد حتى بتنا نشاهد مجموعات التعصب والافكار
الصهيونية تنقض يومياً على المقدسات ورجال الدين والمفتين والمصلين على مرأى من
الجميع فتطلق النار وتعتقل وتخطف واثقة من ان أحداً من سفراء الدول المعنية
بالقدس، ناهيك بمجلس الامن واللجنة الرباعية، لن يحاسبها ولو معنوياً أو سيتقدم
على الاقل لشجب القمع الاسرائيلي الممنهج واعتباره مخالفة صريحة لشرعة حقوق
الانسان واتفاقيات جنيف ومبادئ العدالة الدولية، وكأن اضطهاد الفلسطينيين،
والاساءة إلى مقدساتهم، ومصادرة اراضيهم، وسرقة مياههم، وصلب اطفالهم (80 في المئة
تحت خط الفقر)، ومنعهم من التواصل، أو التنقل، أو الزواج، أو العمل، ليست جرائم
يلحظها القانون الدولي الذي يقف أبكم امام الارهاب الصهيوني.
لقد
أخطأت فصائل الحركة القومية العربية عندما قدمت في المرحلة الماضية هدفاً على آخر
فأجلت تحقيق الديموقراطية بحجة التنمية، ووضعت القضية الفلسطينية على الرف بذريعة
البناء الداخلي. واليوم تكرر حركات اسلامية تتولى السلطة أو تنشط خارجها الخطأ
نفسه إذ تضع القضية الفلسطينية في الثلاجة وتنحي قضية الحريات جانباً، في حين ان
لا معنى حقيقياً لأي نضال في منطقتنا خارج فضاء الديموقراطية وفلسطين اللتين
تشكلان قضية واحدة بمواجهة الحركة الصهيونية باعتبارها أعلى مراحل الاستعمار
والعنصرية. فالقدس، بمقدساتها واكنافها، هي المرجع والمقياس ومن اراد بوصلته في
الاتجاه الصحيح توجه اولاً لحماية الاقصى من الذئاب التي تنهش في صرحه بلا توقف.
السفير،
بيروت، 18/5/2013