حماية تحييد المخيمات الفلسطينية في سورية
بقلم: نقولا ناصر
مثلما هو تثبيت الشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني تحت الاحتلال الاسرائيلي مصلحة معلنة للأردن ولبنان، الأكثر استنفارا بين الدول العربية ضد المشاريع الصهيونية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، كذلك لهما، لهذا السبب تحديدا، مصلحة معلنة واضحة في تثبيت اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم داخل سورية. وإذا كانت سياسة البلدين في «النأي بالنفس» والحياد الايجابي إنسانيا ذات جدوى لهما حيال الأزمة السورية بعامة، فإن أزمة المخيمات الفلسطينية بخاصة في هذه الأزمة تضع سياستهما هذه على محك اختبار صعب كون البلدين هما المنفذ الوحيد المفتوح كملاذ آمن أمام أي تهجير أو هجرة جماعية محتملة لهؤلاء اللاجئين تحت ضغط الأزمة.
ولأنه لا الأردن ولا لبنان يستطيع النأي بالنفس أو الوقوف على الحياد في مواجهة احتمال واقعي كهذا، وليس في وسعهما الوقوف موقف المتفرج حياله، ولأن «دولة فلسطين» ومنظمة التحرير الفلسطينية تقفان عاجزتين عن أي تدخل مجد لترجمة دعوة قيادتهما إلى تحييد اللاجئين الفلسطينيين في الصراع الدموي المحتدم في سورية، فإن التنسيق بين هذه الأطراف الثلاثة يصبح استحقاقا ملحا، إما لتعريب ثم لتدويل حماية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وهو ما سبق للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن حثّ عليه مبعوث جامعة الدول العربية والأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي، أو لضم جهود الأطراف الثلاثة إلى جهود الحكومة السورية في حماية هذه المخيمات إذا وجدت عدم استجابة عربية وأممية للخيار الأول، وهو خيار محفوف بمخاطر ذات نتائج عكسية.
لكن في كل الأحوال بالكاد يظل البقاء في مقاعد المتفرجين على الكارثة الانسانية في تلك المخيمات بانتظار حل لها ضمن حل شامل للأزمة السورية خيارا سليما للأطراف الثلاثة أمام تسارع أزمة المخيمات واستفحالها.
ولا ينبغي تعويم المسؤولية عن الوضع الكارثي الذي آلت إليه هذه المخيمات، فتعميم المسؤولية يضيع هوية المسؤول عما آل إليه وضعها، بل يجب تعيين هذه المسؤولية، ومن الممكن تماما تعيينها وتحديد المسؤول عن ايصالها إلى هذا الوضع، فمنذ النكبة الفلسطينية عام 1948 لم يسجل على أية حكومة سورية أنها هاجمت المخيمات عسكريا، وطوال عام ونصف العام تقريبا من عمر الأزمة السورية الحالية حولها عدم تدخل الحكم ومعارضيه فيها إلى ملاذات آمنة للآلاف من المدنيين السوريين الفارين من كل منطقة من المناطق المحيطة كان «المسلحون» الذين يقاتلون الحكم يتسللون إليها لمعرفتهم بأن الجيش العربي السوري سرعان ما يبادر إلى تطهيرها منهم بالقوة العسكرية.
وعلى سبيل المثال قال الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور في مقال له إنه لم تكن «توجد في مخيم اليرموك مواقع عسكرية» حكومية». ولم يتحرك أحد من المخيم للدفاع» عن الحكم و»كل أهل المخيم التزموا بعدم التدخل والبقاء على الحياد»، وكان ذلك هو حال بقية المخيمات،... إلى أن اكتشف رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض جورج صبرا، بدعم من دول مؤتمرات «أصدقاء سورية»، بأن «المخيم أرض سورية، ولن يمنعنا أحد من دخول مخيم اليرموك، لأن هذا يهيئ لمعركة دمشق»، كما صرّح لفضائية «العربية» أواسط كانون الأول الماضي، ليجتاح «المسلحون» المخيم، في مناورة مكشوفة لاستدراج رد فعل عسكري من الجيش العربي السوري لتحميل الحكم المسؤولية عما كان سوف يستتبع ذلك من سفك دماء ودمار، ولم يقع الحكم في الفخ، ولم تدخل قواته المخيم، واكتفت بتطويق المسلحين فيه من خارجه، ولم تقصفهم داخله، ليتحمل «المسلحون» وحدهم المسؤولية الحصرية عن الدمار والنهب والقنص والأرواح التي تزهق فيه ونزوح عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين منه.
ولا يمكن طبعا إعفاء دول «أصدقاء سورية» العربية وغير العربية من هذه المسؤولية، خاصة من خصصوا «رواتب» لأؤلئك المسلحين ومن يقدمون لهم السلاح والدعم اللوجستي، ويبدو أن هذه الدول غير معنية لا بالمخاطر السياسية والأمنية لمضاعفات استفحال أزمة المخيمات في سورية على الأردن ولبنان وكذلك على منظمة التحرير الفلسطينية ولا هي معنية بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين من سكان هذه المخيمات من الكارثة الانسانية التي تتدحرج ككرة الثلج يوميا.
وقد حان الوقت للأطراف الثلاثة الأردنية والفلسطينية واللبنانية المتضررة من استفحال هذه الكارثة للتنسيق في ما بينها من أجل استخدام مساعيها الحميدة وعلاقاتها مع دول «أصدقاء سورية» لكف أيدي «المسلحين» عن تلك المخيمات.
وليس من المتوقع طبعا أن تكون الجامعة العربية مهيأة بوضعها الحالي للاستجابة إلى أي مساع حميدة كهذه، فمصير عدة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين لا يعني لها الكثير أمام جسامة المهمة التي تتصدى لها كواجهة عربية للأجندة الأمريكية الساعية إلى «تغيير النظام» في سورية، ولا من المتوقع أن تكون الأمم المتحدة ومجلس أمنها في وضع أفضل قريبا من وضعها الراهن المشلول للاستجابة إلى أي مساع تستهدف حمايتهم ومخيماتهم، لكن ذلك لا يعفي الأطراف الثلاثة من استحقاق المحاولة، في الأقل لتبرئة الذمة تاريخيا.
وفي هذا السياق تتحمل قيادة «دولة فلسطين» ومنظمة التحرير مسؤولية مضاعفة بحكم مركزها كممثل شرعي ووحيد لشعبها، وتتحمل حركة «حماس» مسؤولية مماثلة بحكم علاقاتها، «الأيديولوجية» في الأقل، مع مجموعات «إسلامية» فاعلة بين «المسلحين» في سورية من جهة ومع الدول الاقليمية العربية وغير العربية الأعضاء في نادي «أصدقاء سورية» من جهة أخرى، ولا يمكن إعفاء أي منهما من المسؤولية عن حماية المخيمات وكلاهما آخذ بعنق الآخر اصطراعا على تمثيلها.
لقد وضع اجتياح «المسلحين» للمخيمات غير المسلحة القيادات الفلسطينية في مواجهة الخيار الصعب لتسليح لاجئيها للدفاع عن أنفسهم وحماية مخيماتهم، وسوف يكون ذلك «أبغض الحلال»، خاصة إذا انطلق المسلحون من بين ظهرانيهم لمهاجمة الجيش العربي السوري، وهو ما يضاعف المسؤولية الفلسطينية والأردنية واللبنانية للتحرك المنسق العاجل للسعي إلى بديل يجنبهم هذا الخيار المر الذي لن يبقي لهم بخلاف ذلك أي خيار سواه، إذ كما يقول المثل الشعبي: «ما حك جلدك مثل ظفرك».
المصدر: العرب اليوم، عمّان