حنين الذاكرة بـ (أهداب العودة)
بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان
غاصت الشاعرة الفلسطينية انتصار الدنان في إصدارها الجديد (أهداب العودة)، الصادر عن مؤسسة الرحاب في بيروت (2013)، بين الغربة والألم، الحب والمنفى، والذات الإنسانية بكل تجلياتها وتمظهراتها المختلفة.. فتحدثت عن الجرح والجرح، وانتفاض الألم، ووجد العشق في مراكب الغربة... ومكابدة مشقة رحيل جديد، ومآقٍ قد عذبتها الدموع، وأيدٍ زُرعت بشوك أدماها، وعيون أطفأها الحزن.
فالشاعرة انتصار الدنان، كاتبة وإعلامية أيضاً، نالت إجازة في اللغة العربية من الجامعة العربية عام 2002، ودبلوم في اللغة العربية عام 2006، وماجستير في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الإسلامية 2011. وتعمل في الحقل الإعلامي محررة ومدققة لغوية، ومعدة برامج.
وصدر للكاتبة مؤلف تحت عنوان: ديوان ابن بقيّ الأندلسيّ، جمعاً ودراسة، ومجموعة شعرية ترجم البعض منها إلى اللغة الاسبانية...
فكتابة انتصار الدنان ركزت على البعد الإنساني للقضية الفلسطينية، وسردها لتفاصيل غربة الفلسطينيين على امتداد سنوات النكبة جامعة المأساة والتراجيديا مُعيدة صوغ الواقع بمفردات الماضي وألم الحاضر.
فشعر انتصار الدنان منساب كجدول ماء؛ يشُقُّ السّهول والوديان، والسباحة فيه كبحرٍ بلا ضفاف..
تقول الشاعرة:
حنين الذاكرة ينده لعناق الفجر
وأهدابي العربية تصهل للنار
وقمحي بيادره غنّت للمرج
والجمر المتأجج في الجسد المتلكئ
نادى
آه يا قلبي ـ يا رهف الأغنية
يا عذب المغفرة ـ يا حلوة الحنجرة
آه يا وحشتي
واختصرت الشاعرة بكلماتها الغربة والحنين بين الأمس والامس، ولكنها أيضاً أكدت من بين ثنايا الكلمات الواضحات بمخاطبتها للقدس والرجال/ الرجال القادمين من خلف خيوط الشمس على موعد التحرير القادم.. تقول:
نغنّي
للشوق الهائج بين حنايا النسوة
بين الأمس والأمس
لعيون القدس نغنّي
للعيون النازفة بين المقلتين
بين الدمع الجارف
بين الأنين والحنين
نغنّي
ولرجال الحرية نغنّي ـ ونغنّي ـ ونغنّي
وكتبت الشاعرة عن الأرض / فلسطين، وأطفال غزة، والمركب التائه كغربة الفلسطيني وتيهه المتواصل إلى اللامدى واللاحدود حين قالت: ".. ملّت حقائب السفر/ ورسائل اللهفة/ ملّت الغربة والترحال/ وموج البحر العالي/ سئمت أوردتها تمرد الحياة/ وانكسار النشوة/...".
لكنها في غمرة هذا التيه واللوعة التي يعيشها الفلسطيني تتساءل بإحدى قصائدها بمرارة: أنا من؟ لتجيب:
أنا الغربة المنسية/ في أزمنة العودة/ أنا الصورة المحفورة/ بأنامل الوحشة/ أنا الرواية الأسطورة/ والكلمة المخطوطة/ بأحلام اللهفة/ أنا الحرية...
وتعود الشاعرة لتؤكد على المعنى ذاته:
لحن الهوى تكسّر على أجنحة الورد
وبرد العمر استوى في أروقة الخوف
والحزن سكن أوردتي وعانق صحراء غربتي
والوحشة هاجت على الموج المتكسّر
وتعود لتصرخ في (صدى الرحلة) المتواصلة بالآلام، المسكونة برهبة الخوف من القادم؛ بين انتظارٍ قاتل، أو نسيانٍ بلا ملامح!! تكتب:
ملوحة البحر تعلك أطرافي الباردة
وهدير الرعد يدقًّ أوتاد سفينتي
... وأكلتني آلام الغربة.
و تؤكد الشاعرة من جديد على المعنى ذاته، والوجع ذاته في (غرباء نرحل):
غرباء نرحل دون عنوان
.... خاوية قبورنا باردة
... ملّت أجسادهم الانتظار
سفينة العمر ترحل
والجسد يشتهي طعم التراب
تراب الوطن.
و"روت" انتصار معاناة الفلسطيني والنكبة، والمحاولات الحثيثة لاختراق الشعب الفلسطيني ومحاولات اجتثاثه وإبادته وسلب أرضه وممتلكاته، لكنها أظهرت أيضاً انه رغم كل ما حصل إلا إن الإسرائيليين لم يستطيعوا القضاء على الروح الوثّابة لدى هذا الشعب رغم كل ما أصابه من بلاء، وبالعكس من ذلك فقد حافظ على هويته الوطنية وغذّى ذلك بالشهداء والتضحيات لتكبُر الشجرة ويصبح وجود الفلسطيني أمراً لا يمكن تجاوزه أو إلغاءه.
.. والرجال، حان وقت عملهم
أصوات أقدامهم، معاولهم
ترُن في أذني
أليسوا هم من كانوا خلف الشمس ليوم لهيب؟
ويظل الأمل يسكن الجميع أن النصر سيكون حليف من ظُلم، وأن الشمس لا بد وأن تُشرق مهما طال الزمن. فأجيال العودة كل يوم ترسم طريقاً واضحاً ونهجاً قويماً في النضال أن الأرض يحافظ عليها أبناؤها، ويُسيِّجون حدودها بالدم الغزير رغم كل ظروف القهر والحرمان.
فرغم المنفى والألم والغربة، إلا أن انتصار تشير وبوضوح إلى العودة إلى الأرض والديار، لتؤكد أن الأجيال الفلسطينية المتلاحقة والمتعاقبة لم ولن تنس أرضها ففي (الطيور الأبابيل) نلمس ذلك بقولها:
صلّت الأرض صلاتها
وكبّرت
أبناؤها هبوا لملاقاتها
تربتها بألوانهم تصبّغت
... في مارون الراس
اشتعلت
عيونهم بدوراً منيرة...
لنثور ثورتنا الأخيرة
ونعلنها نارا وتحريرا...
المصدر: موقع مخيم الرشيدية