القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

حول ادارة الممتلكات السكنية في مخيم نهر البارد

حول ادارة الممتلكات السكنية في مخيم نهر البارد

سهيل الناطور - كاتب فلسطيني

في تماثل مع افلام الاثارة، عندما يقع حدث ما يقلب الوقائع او يعيد خلط الأوراق. مؤخراً، جرى تسريب ثلاثة صفحات حملت عنوان «اتفاق حول ادارة الممتلكات السكنية العامة في مخيم نهر البارد»، اضيف له (بين الحكومة اللبنانية وعائلة اللاجىء الفلسطيني في مخيم نهر البارد). ورغم ان الوحدات السكنية لم توزع بعد على المشردين من اهالي المخيم منذ اكثر من عامين، ومع اقتراب الموعد المحدد للبدء بذلك في الشهر القادم فإن تسريب ورقة عن صيغة التسليم مجهولة الهوية اثار الريبة بانها ورقة استطلاع لاحتساب ردود الفعل، لان الخطوط ليست مقطوعة بين الدولة اللبنانية والمجتمع المحلي الفلسطيني عموماً، وفي مخيم نهر البارد خصوصاً، الذي يعمل الجميع، كل من جهته، للقيام بدوره في اعادة اعماره، وعودة اسره لمنازلهم. وقد انتشرت نسخ المقترح المسرب الى جميع الفصائل والمنظمات الاهلية غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني، واللجان الشعبية للمخيمات، مما أثار ارباكاً شديداً بسبب ما ورد في مضمون المقترح نفسه. ونورد هنا بعض النقاط الرئيسية، كالتالي:

1- يلفت الانتباه ان المقترح كتب باللغة الانجليزية أولاً، ثم جرت ترجمته للعربية بشكل حمل الكثير من الأخطاء. والغريب انه في العلاقة بين الطرفين المذكورين أعلاه (الدولة اللبنانية واللاجئون) لا ضرورة أبداً لطرح اية صيغة باللغة الاجنبية، اذ ما زلنا واثقين ان الطرفين عرب، وما زالوا يعتمدون اللغة العربية في كل شؤونهم.

2- الفكرة بحد ذاتها جديدة، وشديدة الغرابة فمنذ مجيء اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان عام 1948، لم يحدث ان تعاطت اية اجهزة للدولة اللبنانية بتفاصيل حياة العائلات اللاجئة الداخلية. ولم يوضع قبلاً اي عقد لتسليم منزل او السماح من الدولة لنفسها بالتدخل حول من يسكن هنا أو هناك، وما هي اوجه استخدام هذه الغرفة او تلك الشقة، وليس مفهوماً ان يكون استحداث هذا الأمر، وفقاً لما يشيعه البعض، بان الهدف هو وضع اسس لصياغة علاقة جديدة تمارس فيها الدولة سيادتها على المخيمات، اذ الاساس الحقيقي الذي تعاملت به الدولة مع جميع المخيمات سابقاً، كان بعقود مع الاونروا توفر فيها اراض لاقامة مخيمات اللاجئين، والأونروا تتكفل بالاسكان والاهالي يمارسون حياتهم العادية بطرق الاستخدام، سواء للسكن او لمحلات او لنوادي ومراكز اجتماعية وفقاً لاحتياجاتهم، وبما لا يختلف عن الوضع ذاته في القرى والمدن اللبنانية.

3- لما كان مخيم النهر البارد هو الوحيد الذي تم تدميره كاملاً، وبقرار سياسي رسمي لبناني، في المواجهة الضروس بين الجيش اللبناني الذي قدم الكثير من الشهداء ضد مجموعة اصولية مسلحة ارهبت الاهالي الذي سقط منهم ايضاً عشرات الشهداء، فقد انسجمت الدولة مع ذاتها ومع الحق الانساني بتوفير المأوى للاهالي المتضررين. ولذلك اعلنت قراراها السياسي المناسب بإعادة اعمار المخيم، وانجزت خطوات هامة في استثمار علاقاتها بالتنسيق مع الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمرات دولية لجمع التبرعات للاعمار والاسكان وحل مشكلات المظلومين من أسر الشهداء.

4- تعاونت الدولة اللبنانية بشكل ملموس مع الأونروا والمنظمات الدولية وممثلي السفارات للدول المانحة، وبالتعاون مع المجتمع المحلي الفلسطيني في تخطيط عمليات ازالة الركام للبيوت المدمرة، وهندسة المخطط للاسكان ونوع الاعمار للمباني واحجام الوحدات السكانية، وانجزت الاونروا العقود مع شركات البناء التي قامت بإنجاز الجزء المسمى بـ«الرزمة الأولى»، والمفترض تسليمها خلال اسابيع لاصحابها، كل ذلك بعد ان انجز الجيش اللبناني مشكوراً تنظيفاً لما تبقى من متفجرات او ذخائر بعد المعارك السابقة.

5- بالنسبة للأونروا، يفرض السؤال نفسه اين هي من هذا المقترح؟ وهي المؤسسة الدولية التي اناط بها المجتمع الدولي اسكان واغاثة وتشغيل اللاجئين، وقد اعتمدت في العلاقة السابقة ان تقدم الدولة اللبنانية قطع الاراضي لاقامة المخيمات وفقاً لما ورد في المرسوم رقم 4082 بتاريخ 2/11/2000 تنظيم وزارة الداخلية والبلديات، الفصل الثالث، المادة 22 التي تنص على تكليف المديرية العامة للشؤون السياسية والبلديات بـ«تحديد أماكن المخيمات، والقيام بمعاملات استئجار الاراضي اللازمة واستملاكها». ولم يرد في النص أي شيء يتعلق بإقامة بيوت لسكن اللاجئين او الاشراف على توزيعها، وترك هذه الامر للعلاقة بين الاونروا والمجتمع الفلسطيني ذاته، واليوم في هذه الصيغة المقترحة تغيب الأونروا، وتصبح العلاقة مباشرة بين الدولة اللبنانية والأفراد من اللاجئين الفلسطينيين. هذا جديد ويطرح الاستفسار عن مدى قدرة هذا الجهاز الاداري الرسمي على القيام بذلك، وتوفير الموظفين واعتماد آليات العمل، ومراكز للمساءلة الادارية عند وقوع خلافات حولها قبل بلوغ اي نزاع لمرحلة الذهاب الى المحاكم، كما يفرض التساؤل عن الهدف من تغييب الأونروا وتهريب مسؤوليتها كرمز دولي عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين وعملها لتخفيف معاناتهم.

6- العرف المعتاد منذ بداية اللجوء هو توزيع المنازل على المحتاجين من قبل الأونروا، ووضع اللوائح الاحصائية بالتعاون مع لجان الاهالي في الاحياء او اللجنة الشعبية للمخيم، وهذا كان يتم دون تدخل الدولة التي اكتفت بالحصول على سجلات باسماء القاطنين، لان صلاحيتها المحددة في المادة 22 من المرسوم المذكور سابقاً تحددت بـ«اعطاء رخص نقل محل الاقامة من مخيم الى آخر»، وهذا لا يستتبع اي اجراء آخر من نمط مصادرة المأوى وإعطائه لاسرة اخرى، او التدخل منعاً او سماحاً بإنجاز ترميمات للمسكن أو غيرها من الشؤون اليومية في العلاقات الانسانية، لا بل لم يسبق ولا يخطر ببال أحد، انه اذا توفي رب المنزل فإن المأوى يصبح عهدة بيد الدولة لها حق تسجيله لطرف آخر، كما تحتمل بنود المقترح.

7- بعض الملاحظات التفصيلية تكتسب اهمية قصوى في وضع علامات تحدد نمط العلاقة التي يرغب واضعو هذه المقترح في فرضها على الفلسطينيين، والتي يطلقون عليها (نموذجاً جديداً)، نورد منها الأساسي الى الأقل أهمية:

· البند رقم 𪡟«1» ينص على ان السرد الوارد في المقدمة، وكافة الملاحق تعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذه الاتفاق. ولكن من قال ان هناك موافقة فلسطينية او من الممولين الذين دفعوا أمولا للأعمار يصادقون على فكرة وردت بأن «الحكومة اللبنانية، ومن ضمن صلاحياتها كمالك وحيد للوحدات»، أليس في ذلك تحريف خطير وغير قانوني، إذ ان الدولة أنجزت الاستملاك للأرض فقط، ولم تملك أو تدفع أي قرش للاعمار، فكيف صارت هي المالكة الوحيدة للوحدات السكنية؟

وعليه فإن منطق البند الثاني يصبح غير ذي اساس، بقوله «تضع الحكومة اللبنانية في تصرف المستفيد الوحدة رقم.........ليستعملها المستفيد وعائلته أو عائلتها المباشرة كمسكن لهم». فالحكومة ترعى ولا تضع امام الفلسطيني حق التصرف بالمسكن، ولا علاقة لها باجباره على استخدامه عبر الاشتراط الوارد، بل الأصل والعرف القائم بان اللاجىء يتصرف بمسكنه وفقاً لاحتياجاته، سواء كمسكن له ولأولاده، او ان يحول جزءاً منه لعمله اذا كان حرفياً او غير ذلك، كما اعتاد الفلسطينيون، مثل اللبنانيين، التضامن مع الاسر باسكان اقارب لهم، او حتى تأجير الوحدة السكنية في بعض الحالات مثلاً: اذا ازداد عدد افراد الاسرة ولم تعد تتسع لهم، فإن تأجير المسكن واعتماد الوارد المالي جزءاً رئيسياً من بدل استئجار بديل أوسع، فما هي الجدوى الحقيقية لهذا التحديد القهري الوارد في المقترح؟

· البند الرابع الذي اعاد الزام الفلسطيني بالتعهد باستعمال الوحدة السكنية فقط للاقامة الخاصة، وهذا غير ضروري ومرفوض، زاد في التعقيد باشتراط ان يكون حاملاً لبطاقة هوية لاجىء فلسطيني في لبنان. وهنا ماذا عن الفلسطينيين الذين لا يحملون هذه البطاقة، ومازالت الهيئات الرسمية اللبنانية ترفض اعتمادهم كلاجئين قانونياً ويعرفون بـ«فاقدي الأوراق الثبوتية»، والذين يقترب عددهم من خمسة آلاف، الا يحق لمن كان منهم قاطناً في مخيم نهر البارد ان يعود الى منزله الجديد، وماذا سيكون مصيره في هذه الحالة؟

الأغرب ان البند نفسه يتابع التضييق بايراد انه «لا يحق للمستفيد بيع، توريث، تأجير، نقل، التخلي عن، رهنها، والتخلص من الوحدة بأي شكل من الأشكال، دون الموافقة الخطية الصريحة المسبقة للمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين». ولما كان معلوماً انه لا يوجد أي نص تنظيمي لدى هذه المديرية لهذه الشؤون، فهل ذلك يعني ان المستفيدين يخضعون لرأي او مزاج الموظف في المديرية بالسماح او المنع دون محددات ادارية او قانونية. واذا كانت الصيغة تتضمن اقراراً بمنح صلاحيات لهؤلاء الموظفين، عندها يصبح ما يتخذونه من مواقف واجراءات عبارة عن قرارت تمثل السلطة اللبنانية، التي يفترض المقترح انها صاحبة الاملاك حصريا، وعليه كيف يمكن ان ينازع المستفيد بخطأ اي قرار، طالما انه يمثل مصلحة صاحب العقار، واي مفهوم جديد تطرحه الورقة لتطبيق "السيادة" عبر هذا الاسلوب، ناهيك ان مضمون التحديدات بعدم البيع والتوريث!؟ التأجير الخ... توصل الى خلاصة ان هذا المكان مسكن للفلسطيني طالما هو حي حتى وفاته، وغير مضمون ان ورثته المباشرين يحق لهم البقاء فيه، وما تورده الورقة في رقم 5 يؤكد ان النقل للورثة الشرعيين للمستفيد يتم فقط " وفقا للاجراءات الموضوعة من قبل المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين في هذا الاطار" وهذه الاجراءات لم يسمع بها احد، ولم يرد اي نص في قانون او قرار اداري سابق، عندها تصبح المسألة وكأنها قضية مسجلة ضد مجهول، وتحتمل تفسير نقل الملكية لغير الورثة وربما ابداله بوحدات سكنية في اماكن اخرىن ما يربد كل تفاصيل حياتهم.

· البنود الاخيرة 10+11+12+13 تزيد من الاشكالات بدلا من تسهيل الامور، فالعاشرة تذكر بإعادة الوحدة السكنية للدولة في حالة " سوء ادارة الوحدة وخرق القانون" وهذا نص يحتمل تفاسير واسعة فضفاضة، فما المقصود بكل من سوء ادارة الوحدة، ومن يقرر مدى هذا السوء الاداري المفترض ان كان طفيفا او متوسطا او شديدا، ومن هو المخول بتحديد ان هناك سوءا قد وقع حتى يتم الاجراء بالطرد من السكن واستعادة المأوى للدولة، ثم ما معنى خرق القانون فأي قانون هو المقصود،؟ هل هو القانون المنظم لوزارة الداخلية، مديرية الشؤون السياسية واللاجئين، ام سائر القوانين الاخرى، كالقانون التجاري او غيره، الا يجب ان يحدد نصه كي يكون الأمر واضحاً عند الاتفاق وعليه كان لا يحق للمستفيد اية تعويضات كما ورد في الرقم 12، فكيف يكون الامر اذا حكم قاض في تسوية خلاف ما لصالح المستفيد بان يعوض عليه، عندها يقع تعارض مع النص المفترض الاتفاق عليه واخيرا ما هي المحاكم اللبنانية المختصة بتسوية خلافات قد تقع في تفسير هذا الاتفاق، هل هي المحاكم المدنية العادية، ام المحاكم الادارية، خاصة ان احد الاطراف المتنازعة ستكون الدولة عبر ممثليها في اثناء تطبيقهم للاتفاق؟ خصوصا انه في حال تقدير الموظف اللبناني ان هناك خرقا فان صلاحيته ان يعتبر ذلك " اسقاطاً لحقوق المستفيد من هذا الاتفاق ويكون للحكومة اللبنانية الحق بإتخاذ الاجراءات المناسبة، ومن ضمنها اعطاء الوحدة لمستفيد اخر تراه مناسبا.

واخيرا كل ما جرى ايراده في موضوع الاتفاق المقترح، والاصرار على تحديد استخدام الوحدة للسكن العائلي، فإن ذلك يلغي امكانية افتتاح نوادي للشباب او مراكز اجتماعية، او مؤسسات غير حكومية اضافة لمراكز الهيئات المعبرة عن الوطنية الفلسطينية وهي الفصائل السياسية، بما يوحي وكأن المقصود منع اي تعبير سياسي فلسطيني علني في المخيمات عبر مراكز النشاط هذه الفصائل وهذا امر مرفوض من جميع المخلصين لبنانيين وفلسطينيين، يعملون للحفاظ على حق العودة والهوية الوطنية الفلسطينية لهذا التجمع اللاجئ اضطراراً الى لبنان.

من هنا، نخلص الى الرفض المطلق لهذا المشروع، سواء اكان جديا او كان استخداما لاستطلاع الرأي الفلسطيني، ونطالب بالانجاز السريع لاعمار مخيم نهر البارد، واعتماد الحالة السابقة، بتوزيع الوحدات على اصحابها وفقا للوائح التي انجزتها اللجنة الشعبية للمخيم واعتمدتها الاونروا على ان يترك للقاطنين الفلسطينيين ادارة حياتهم بكل حرية، تماماً كالمواطنين اللبنانيين في القرى والمدن الاخرى.