حيال محاولة أخرى لـ «تصفية» القضية الفلسطينية
مرزوق الحلبي
الإدارة الأميركية الترامبية جادة مع إسرائيل
الرسمية والصهيونية العالمية واليمين المسيحي الخلاصي في تصفية قضية الشعب الفلسطيني.
فالوقت الدولي الراهن مناسب لذلك من ناحيتها. فبعد أن أعلنت نواياها بخصوص الأونروا
كدليل للقرارات الدولية على وجود قضية لاجئين فلسطينيين، وبعد أن أعلنت نقل السفارة
إلى القدس، يأتي دور منع التمويل عن مؤسسات صحية في القدس الشرقية. وهي أمور تتزامن
مع هجمة استيطانية على الأرض الفلسطينية بمباركة جهاز القضاء الإسرائيلي، وعلى موسم
الزيتون الفلسطيني كرافعة اقتصادية فلسطينية لآلاف الأُسَر الفلسطينية، ناهيك بكون
كروم الزيتون ملمحاً من ملامح فلسطين الوجود والقضية.
الشحن ضد الفلسطينيين أميركيا يترافق مع تصعيد
إسرائيلي يومي تجسّد أخيراً في قرارين للمحاكم الإسرائيلية.
الأول ـ أجاز الاستيلاء الاستيطاني بأثر رجعي
على أرض فلسطينية خاصة من دون أي إجراء.
والثاني ـ أجاز تهجير فلسطينيين من أراضيهم
لإقامة مستوطنة.
يحصل هذا الشحن على أكثر من مستوى وفي شكل
يتجاوز أحياناً التوقعات الإسرائيلية ويبزّها. وإذا ما ربطنا الحاصل أميركياً مع الحاصل
إسرائيلياً مع ما يُنشر ويُكتب ويُقال، استنتجنا، وفق أكثر من منهج في دراسة العلوم
السياسية، أننا بصدد محاولة جديدة لـ «تصفية» المسألة الفلسطينية تُشبه إلى حدّ محاولة
سابقة حصلت بعد انعقاد مؤتمر كامب ديفيد الأول (1978) ونتائجه. يومذاك، تمّ تحييد مصر
كأهمّ وأقوى لاعب عربي عسكرياً عن الصراع. ثمّ رفض الفلسطينيون نتائج المؤتمر. والعاملان
مُجتمعان شكّلا ظرفاً مواتياً للحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982 بقصد «تصفية» القضية
كما سمّينا ذلك حينذاك.
والآن، يرفض الفلسطينيون «صفقة القرن» الأميركية
الرسمية ويرفضون الخضوع فيما الإقليم متداعٍ تقريباً، الأمر الذي يُفقد الفلسطينيين
ورقتهم العربية. والعاملان مجتمعان يشكلان ظرفاً مواتياً لمحاولة جديدة لتصفية قضية
الشعب الفلسطيني. وهذه المرة تشكّل المنظومة الدولية المنقسمة والمتخاصمة في كل المواقع،
خلفية مُثلى لحصول هذا. نقول هذا وفي تجربة العقود الأخيرة عمليات ترحيل للفلسطينيين
في كل مواقعهم ـ سوى المنفى في الغرب وأميركا الشمالية.
الفلسطينيون الذين تعرّضوا للترحيل من وطنهم
ـ فلسطين التاريخية ـ لم ينجوا من الترحيل في مواقع الشتات. في حرب الخليج الأولى،
تمّ ترحيلهم من الكويت وبعض دول الخليج كعقاب جماعي. وتمّ تهجيرهم في لبنان ومنه وفي
العراق ومنه كجزء من تداعيات حرب الخليج الثانية. والآن، من سورية وعاصمة شتاتهم ـ
من اليرموك. هذه السلسلة من التهجير العربي للفلسطينيين لا تبشّر بخير على الإطلاق،
بل هي نذير شؤم لما يُمكن أن يحصل في فلسطين التاريخية بيد إسرائيل إذا ما حصل تصعيد
في العنف. وهو يُمكن أن يحدث ضمن عدد من السيناريوات. مثلاً، كردّ على التصعيد الإسرائيلي
في الميدان، لا سيما مصادرة مناطق فلسطينية مفلوحة أو مزروعة. أو كردّ فلسطيني على
محاولات تصفية القضية واستحقاقاتها، وهو ما حصل في النصف الثاني من الثمانينات من خلال
الانتفاضة الأولى. فقد تفجّرت الانتفاضة في وقت ساد الاعتقاد بأن منظمة التحرير في
أسوأ أيامها وأن «الثورة» يكاد نجمها يأفل.
والآن، نحن في وضع مُشابه من حيث ضعف القضية
والسلطة الوطنية ومن حيث اندفاع إسرائيلي جديد ـ الكولونيالية المُستأنفة، سمّيناه
ـ في الانقضاض على الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه على اعتقاد أن الشروط تشكّل فرصة ذهبية
للتخلّص من الفلسطينيين قضية ولاجئين. وهو اندفاع مدعوم من يمين أوروبي أميركي منتشٍ
عالمياً ومن أوساط مسيحية أميركية كاثوليكية صهيونية أكثر من الصهيونية نفسها. وبصمات
هذه الأخيرة واضحة في الضغط داخل أروقة البيت الأبيض والرئيس ترامب في شكل خاص.
أرجّح أن الشعب الفلسطيني، كما في الانتفاضة
الأولى، سيُفاجئ قياداته ومؤسساته ويذهب في مشروع مقاومة جديد للسياسات الإسرائيلية
- الأميركية الآنفة الذكر. وليس لأنه بطل، بل لأنه شعب حي. لا أستبعد في هذه المرحلة
من تطور الصراع حصول تعاون نضالي واضح بين الفلسطينيين في كل مكان، لا سيما بين فلسطينيي
الجبل والساحل داخل إسرائيل. إضراب عام في كل المناطق الفلسطينية ومظاهر رفض منسّقة
ستشكّل إشارة لا تستطيع إسرائيل الرسمية ولا الإدارة الأميركية من ورائها تجاهلها.
وهي إشارة ستصل إلى الإقليم كلّه. وهناك مَن ينتظرها أو مَن هو جاهز لالتقاط البثّ.