حين سقط
"الزعتر" واختفى محمد
بقلم: صمود غزال
بعد تعب طويل،
أتاه الخبر الجميل: إنها المنحة الدراسية في أوكرانيا. فرح محمد موسى، خصوصاً أن اختصاصه
المفضل سيدرسه مجاناً على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية، وسيعود بعد سبعة أعوام طبيباً
جراحاً كما حلم ليرفع من شأن عائلته.
زفت أمه وأبوه
الخبر في كل أرجاء مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، وودع المخيم الطالب
المتفوق قبل رحيله إلى الاتحاد السوفييتي. بعد عامين من الدراسة في كييف، أي تحديداً
عام 1976، وصلت رسالة من القيادة الطلابية الفلسطينية في الاتحاد السوفييتي إلى الطلاب
الفلسطينيين هناك، ومفادها أن مخيم تل الزعتر محاصر، وهناك نقص بالأطباء والمواد الغذائية
وكذلك بالسلاح والمقاتلين. وتطلب الرسالة ممن يستطيع التوجه إلى لبنان فوراً للمساعدة
سيحجز له على أول طيارة. تبادل رفاق الدراسة الطلب، وبدأت الأفكار تطرح، وغلب على معظمهم
شعور الاندفاع لاسيما أنهم في عمر الشباب، وأيضاً من عشاق الزعيم ياسر عرفات، وواكبوا
تحركاته وحلم العودة وتحرير فلسطين. ووافق معظم الطلاب على العودة إلى لبنان وكان محمد
موسى من ضمنهم. عند العودة، طلبت القيادة العسكرية ممن يتقنون فن التعامل مع السلاح
أن يأخذوا بنادقهم وجعبهم، لكن محمد أشار إلى أنه يدرس الطب، وممكن أن يتطوع بالفرق
الطبية وتحديداً جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وهكذا كان. أرسلت الجمعية فرقها إلى
قرب المخيم لمساعدة من يخرج من تل الزعتر، شمال بيروت، ومحاولة إيصال المعونات الطبية
والغذائية.
52 يوماً ومحمد
ورفاقه مرابطون قرب المخيم، يسمعون طلقات النار، ويؤرخون حصار المخيم من المليشيات
اليمينية المسيحية اللبنانية والجيش السوري. ويقدمون المساعدة. أيام ومحمد يقوم بدور
الطبيب، يرى الأشلاء، ويداوي الجرحى، ويسمع شعارات الثورة من الطرفين، غير أنه بقي
متمسكاً بحمل شارة الهلال الأحمر على القتال. اشتّد الحصار والقصف، وبدأ الحديث عن
اقتحام المخيم، انسحب فريق محمد الطبي إلى الجهة الشرقية للمخيم حيث المنطقة جبلية
ووعرة. وعبر جهاز اللاسلكي أتت إشارة صوتية تفيد بأن ما يقرب من مئة عائلة استطاعت
الخروج من المخيم وبحاجة لمساعدة عاجلة لأن من ضمن الخارجين جرحى وبحالة خطرة. تأهب
محمد ورفاقه ونزلوا في الطرق الوعرة مع ساعات الفجر الأولى، لتسبقهم القوات المحاصرة،
وبعد ذلك بساعات سقط المخيم. مذبحة مروعة ذهب ضحيتها 4280 قتيلاً غالبيتهم من المدنيين
والنساء والأطفال وكبار السن، فضلاً عن آلاف الجرحى، مذبحة انتهى على إثرها الحصار
يوم 12 أغسطس/آب 1976 باحتلال المخيم، وبعد ذلك وصلت الجرافات وأزالته. ومنذ ذلك اليوم،
لا أحد يعلم شيئاً عن محمد، كثيرون قالوا إنهم رأوه بين القتلى، وآخرون قالوا إنه أسر،
وبعضهم قال إنه حمل البندقية وسار في موكب الفدائيين، وغيرهم اعتقد أنه عاد إلى كييف،
لكن محمد بعد سقوط المخيم لم يعثر له على أثر.
المصدر: العربي
الجديد