حين يفقد أطفال غزّة الأمان في أحضان
أمهاتهم وهم نائمون
بقلم: ميسرة شعبان
لا يجد أطفال غزة إلا حضن أمهاتهم
ليشعروا بالأمان، فمنهم من لا يفارق والدته، ويصر على النوم في حضنها، ومنهم من
يطارده القصف والموت في أحلامه، وساعات نومه المضطربة، ومنهم من أصيب بتوتر وقلق،
وأصبحت كلمات «قصف، شهيد، انفجار» هي الكلمات الدارجة على لسانه باستمرار، غير
الصراخ والهلع الشديدين.
ولكن حين تنزع صواريخ الاحتلال الطفل
من حضن أمه، لتزهق روحه أو لترقده على أسرة الشفاء، تفقده هذا الحضن الذي كان
يشعره بالحب والطمأنينة.
هكذا هو الحال للعديد من أطفال قطاع
غزة، مثل الفتيات رهف ورغد ورتاج أبو عابدة، تحتضنهم أسرة الشفاء، في مستشفى شهداء
الاقصى، في دير البلح، وسط قطاع غزة، لا يعانون من ألم جراء اصابتهم بجروح في جميع
اجسادهم، على قدر ما يعانون من آلام فقدانهم والدتهم فجأة.
فما الذي كانوا يفعلونه في آخر
لحظاتهم معها سوى الاحتماء بحضنها، وجلب القليل من الأمن من حرارة جسمها الذي أصبح
بارداً بعدما قتلتها صواريخ الاحتلال.
ما زالت الطفلة رغد ترتجف بين الحين
والآخر، وهي تستذكر لحظات القصف، واستشهاد والدتها من دون أن تنطق بكلمة من شدة
الصدمة التي ألمت بها.
فها هي غزة الآن، أطفال يموتون في كل
لحظة، إما قتلا بالقذائف والصواريخ، أو رعبا وهلعا من أصوات الانفجارات التي لا
تهدأ، والأرض التي تزلزلها الغارات تحت أقدامهم، وتميت أحباءهم، ومع ذلك لا تهتز
شعرة في رؤوس قادة اسرائيل وزعماء العالم والدول العربية لهذه المشاهد المروعة.
أما من لا يزال على قيد الحياة،
فالرعب يرافق مضاجعه في الليل والنهار، المواطن نبيل زينو (37 عاماً) أوضح أنه
أصبح أسير أطفاله، لا يستطيع التحرك في المنزل جراء ملاصقة أطفاله له أينما توجه،
بسبب استمرار القصف الإسرائيلي، وهدم المنازل وصوت الانفجارات المنبعثة من جرائه،
مشيرا إلى أن بعض أبنائه دون سن العاشرة، بات يعاني من التبول اللاإرادي نتيجة شدة
الخوف والهلع الذي ينتاب الأطفال على مدار الساعة.
وأكد زينو أن الحياة باتت معقدة
للغاية في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي على القطاع لأكثر من 28 يوماً، وقال:
«نحن نعيش وأرواحنا على أكفنا، ونرى الموت بأعيننا في كل دقيقة تمر علينا، ونرى
الدقائق ساعات والساعات أياما«.
وكانت فشلت محاولات المواطن أكرم
إبراهيم (37 عاماً) لنقل أطفاله من منزله في شارع النفق، شمال شرق مدينة غزة الذي
يتعرض للقصف باستمرار، إلى منزل عمتهم في حي الرمال، وسط مدينة غزة، لتخفيف حالة
الذعر والهلع التي تصيب اولاده عند سماع أصوات الطائرات والقصف الإسرائيلي.
وأشار إبراهيم الى أن محاولاته
لإبعاد أبنائه عن أصوات الانفجارات وهدير الطائرات كي لا يصابوا بأمراض نفسية
وعضوية، باءت بالفشل، بسبب وقوع القطاع بأكمله تحت دك الآلة الحربية للاحتلال.
وأوضح أن أبناءه يعانون كوابيس ليلية
من الذعر والخوف ومما يشاهدونه عبر شاشات الفضائيات، وما يسمعونه من أصوات تصاحب
إطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخها وقذائفها على الفلسطينيين، مبيناً أن
اللغة السائدة على ألسنة الأطفال هي «يهود، طخ، نار، شهيد«.
وأشار إلى أن ابنته وداد (10 أعوام)
تصيبها حالة هلع وهستيريا، بمجرد سماع صوت طائرات الاحتلال، خصوصاً مع استمرار
انقطاع التيار الكهربي، لدرجة أنها لا تستطيع الوقوف على قدميها من شدة الخوف
مطلقة صرخات عالية.
وحاولت أم محمود الأخرس (30 عاماً)
إخفاء مخاوفها هي الأخرى عن أبنائها، مؤكدة أن مخاوف كبيرة تساورها على حياة
أبنائها واوضاعهم النفسية.
واعتبرت الأخرس أن ما يتعرض له
أبناؤها من خوف، لا يقل خطورة عن الإصابة الجسدية، مشيرة إلى أن 3 أبناء لديها
ينامون بين أحضانها طوال الليل، ويرجفون خلال نومهم بين الحين والآخر، ويهبون من
نومهم على صراخ كبير عند سماع الانفجارات، كما يرفضون الأكل بشكل طبيعي .
الأخصائي النفسي يحيى العوضي، أوضح
أن العدوان الإسرائيلي أخذ طابع الشمولية هذه المرة، ليطال قتل الأطفال او
ترهيبهم، في ظل انقطاع التيار الكهربائي وانتشار الظلام الدامس، ما يجعل تأثير
الغارات الجوية وعمليات القصف كبيراً جداً على الأطفال.
ولفت العوضي إلى أن «البيت وحضن الأم
هو أعز ما يملكه الطفل، وهو مصدر الأمن والامان، لكنه أصبح مستهدفاً، ما زاد من
المشاكل النفسية والخوف والهلع وحالات التوتر والجرح النفسي لدى الأطفال«.
وأضاف أن «الطفل يشعر بالصدمة
القاسية من الحرب، والتي تكون أكثر رسوخا في ذاكرته إذا تكررت هذه الصدمات،
لتتراكم في فترات متقاربة وتفقده ما كان يحتمي به«، لافتا إلى أن الأطفال يصعب
عليهم التعبير عن الشعور أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل وتؤدي
إلى مشاكل نفسية عميقة« .
ختم: «إن الغارات الإسرائيلية تتسبب
في التبول اللاإرادي عند الأطفال، وقلة النوم، وتوتر نفسي دائم، ورعشة ربما تستمر
لفترة طويلة، عدا صداع وأعراض وأمراض عدة.
المصدر: المستقبل