خارطة طريق واقعية
بقلم: يوسف رزقة
كان خطاب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أمس
خطابًا وحدويًّا كما وصف هو، وكما تؤكده تحليلات الكتاب وتعليقاتهم. كان مشعل فيما
يبدو حريصًا على تجميع المكونات الفلسطينية معًا، لمواجهة التحديات، سواء تلك الناتجة
عن تهويد الأقصى وتقسيمه، أو تلك المرتبطة بدعوة عباس الفردية لاجتماع المجلس الوطني
الفلسطيني.
كان مشعل يدرك حجم هذه التحديات إدراكًا جيدًا، وكان يدرك
أيضًا حجم الجراح العربية النازفة في أكثر من قُطر من أقطار العالم العربي، وقد أبدى
تفهمًا لحجم تراجع اهتمام النظام العربي بالقضية الفلسطينية، بعد أن زاحمتها القضية
العراقية، والسورية، والمصرية، واليمنية، والليبية، وتنظيم الدولة، غير أنه رغم ذلك
كله طلب من قادة النظام العربي الاهتمام بقضية القدس والمسجد الأقصى، وهنا وجه خطابًا
محددًا لكل من الأردن، والمغرب، والسعودية، بحكم المسئولية لكل دولة.
كان الصحفيون في المؤتمر أكثر يأسًا من الحالة العربية، كما
تبدى ذلك في أسئلتهم، وكان خالد مشعل متفهمًا لمشاعرهم، ولكنه حرص على أن يبدو متفائلًا،
رغم قتامة المشهد، وتمزقات الأمل في المستقبل القريب.
مشعل الذي تفوق على نفسه، وعلى إحباطات الواقع، دعا عباس
وفتح والفصائل كلها إلى (خارطة طريق) رأى أنها مشروع وطني للحل، والخروج من المأزق،
وبالذات بعد الدعوة الانفرادية لعقد المجلس الوطني، وخاطب عباس وفتح بضرورة تأجيل اجتماعات
المجلس الوطني، والعودة معًا إلى اتفاق ٢٠٠٥م، واتفاقات القاهرة ٢٠١١م، واتفاق الشاطئ،
ووثيقة التوافق الوطني، وجميعها اتفاقات شاركت الأطراف جميعها في صياغتها والاحتكام
إليها.
لم يدخل مشعل في التفاصيل، ولم يمارس المناورة، وتوجه بشكل
مباشر وصريح لمحمود عباس بصفاته المعروفة، لكي يتخذ قرار التأجيل لحماية الوطن من الانقسام،
والتنازع، والانتقال بالجميع إلى خطوة الإصلاح والترميم لهياكل العمل الفلسطيني، بمشاركة
الجميع، بالانتخابات والتوافق أيضًا، ومن ثم عقد المجلس الوطني المنتخب لممارسة حقه
في الرقابة، والتشريع، والمحاسبة.
لم يتطرق مشعل لعيوب أحد، ولم يدخل في عيوب المجلس الوطني
الحالي، وترك كل ما يجرح ويؤذي، وقفز إلى الحلول التي تلتقي عندها الفصائل الوطنية
والإسلامية، وكذا المستقلون، والأكاديميون، وكثيرون من أبناء فتح والعرب، وتمنى على
عباس أن يستجيب لدعوته، وأن يفتح صفحة جديدة لعمل شراكة في إدارة الملفات، لا سيما
بعد أن انهار مشروع المفاوضات، وبعد المتغيرات العربية والإقليمية المقلقة.
كان مشعل في تناوله لمشكلة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي،
وفي مشكلة المسجد الأقصى، ينظر إلى الأمام، وإلى المستقبل، رغم إلحاح الماضي، ومبررات
التراجع إلى الخلف وتحميل المسئوليات لمن أوصل القضية إلى ما وصلت إليه من فشل في المعالجات،
وتقدم سالب في الاستيطان والتهويد، وإهمال المجتمع الدولي لعذابات الفلسطينيين. ما
طرحه مشعل كان (خارطة طريق) جامعة وكاملة، تنبثق من الواقع، ولا تسبح في الخيال، وتحترم
الاتفاقات والثوابت، وتعطي الأمل في المستقبل، وتتخفف من الحزبية، ومن المحاسبة الثورية.
المصدر: فلسطين أون لاين