خبــراء: الإعــلام الفلسطيــني مقصِّر في قضية "اللاجئيــن"
وجـه باحثـون وإعلاميــون فلسطينـيون سـهام النقـد إلى وسائل الإعلام الفلسطينـية، بمختلف منابـرها، لعدم قدرتها على معالجة ملفات القضية الفلسطينية المحورية والمهمة، وفي مـقدمتها "قضية اللاجئين وحق العـودة". وقال هؤلاء الخبراء في أحاديث خـاصة ومنفصـلة إن الإعلام الفلسطيني الذي من المفـروض أن يكـون صاحب السبق في معالجة القضايا المحورية المهـمة المتـعلقة بالشأن الفلسطيني وثوابت القضية، تعامل مع قضية اللاجئين وحق العودة بشكل موسمي وبعيداً عن التحليل والعمـق في المعالجة. ودعا هـؤلاء إلى جعـل قضية اللاجئيـن أولويـة في التغطية الإعلامية وإلى العمل على نشرها في مختلف وسائل الإعلام، مطالبين بإنشاء جسم إعلامي فلسطيني مـوحد قادر على تفعيل قضايا الثوابت الفلسطينية والعمل على نشرها في المنابر الإعلامية المختـلفة.
سمير أبو محسن، مدير دائرة البرامج في فضائية الأقصى، أكّـد في بداية حديثـه أن سياسة شبكة الأقصى الإعلامية، الممثلة بالفضائية والإذاعة والمرئية، تعدّ قضية اللاجئين ثابتاً من الثـوابت التي يجب ألا تخلو نشرات الأخبار أو كافة الفنون الصحفية الأخرى من الإشارة إليها، وأضاف: "الأسرى واللاجئون والقدس ثوابت، ولا يمكن أن يمر يـوم من دون خبر أو تقرير أو فاصل ليتحدث عنـهم".
أهم ثابت
غيـر أن أبو محسن أقـر بوجود قصور واضح في مختلف المنابر الإعلامية الفلسطينية، وتابع: "الصحف والإذاعات والكثير من الوسائل الإعلامية في غزة والضفة للأسف لا تتعامل مع قضية اللاجئين إلا في المواسم، كالنكبة مثلاً، من دون أن يكون لهذا الثابت الفلسطيني الحيّز الكبير والواسع في المنابر الإعلامية".
وعزا أبو محسن هذا القصور إلى الحالة السياسية الراهنة في فلسطين وطغيان الخبر السياسي على كافة المواضيع والاهتمامات الإعلامية، واستدرك بالقول: "الانقسام الفلسطيني، للأسف، كان له بالغ الأثر على غياب هذه القضية من أجندة الإعلام الفلسطيني، وبات المتصدر الرئيسي للأخبار والتحليلات الحديث عن الانقسام وتوابعه وتتبع المصالحة وآخر أخبارها. ثم جاءت الأحداث العربية الأخيرة لتطغى على العناوين الإعلاميـة".
غير أن أبو محسن لا يجد في أي جديد إخباري مهما بلغ حجمه سبباً لقصور الإعلام وتخاذله في معـالجة القضايا الأولى للهمّ الفلسطيني، مشدداً على أن كثيراً من التفاصيل والأحداث المستجدة تصلح لأن تكون العناوين الأولى والرئيسية في الصحف والإذاعات، وتابع: "هناك معاناة كبيرة يعيشها اللاجئون في الداخل والخارج. ومن هنا، علينا جميعاً أن نتكاتف لإبراز هذا الوجه الفلسطيني ودفع كافة المؤسسات الدولية الإنسانية والحقـوقية من أجل التحـرك لنصرة اللاجئين والعمل على عـودتهم إلى ديارهم التي هُجِّروا منها قسـراً".
وقال أبو محسن إن الإعلام الفلسطيني بحاجة ماسـة اليـوم إلى استراتيجية واضحة تتمثل في خطة وطنية تدفع الإعلام الفلسطيني إلى تحمّل مسؤولياته الوطنية والدفـاع عن أهم ثابت من الثوابت وعدم السماح لوسائل الإعلام الإسرائيلي والغربي بتشويه القضية الفلسطينية.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين، بحسب إحصائيات فلسطينية، نحو 4,3 ملايين، موزعين على الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية.
ويعاني اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الشتات ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة وقاسيـة، ويعيشون في مساكن ضيقة ومتـلاصقة، فيما يتلقون المساعدات الإنسانية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".
انعكاس للواقع
وانتقد فريد أبو ضهير، أستاذ الإعلام في جامعة النجاح بنابلس في الضفة الغربية وسائل الإعلام الفلسطينية بمختلف مؤسساتها ومنابرها، لقصورها في تغطية القضايا المحورية الفلسطينية، مشيراً إلى أن المتتبع لحال وسائل الإعلام اليـوم يجدها تتعامل مع قضية اللاجئين وكأنها قضيـة لشعب آخر، وأضاف متابعاً: "اليـوم، للأسف، ليس الإعلام الحكومي أو المموّل هو المقصر، بل يكاد الإعلام بكل أنواعه الخاص والعام يفتقر إلى كيفية التعامل مع قضية اللاجئين وكافة القضايا المحورية".
ورأى أبو ضهير أن المشكلة الحقيقية وراء غياب وسائل الإعلام وإهمالها لقضايا الثوابت الفلسطيني، وفي مقدمتها الحديث عن حق العودة واللاجئين، ما تعيشه القضية الفلسطينية من واقع بائس وتشرذم، وأضاف: "وصل الانقسام بنا إلى إشكالية تعريف ما هي القضايا المحورية، وما هي الثوابت؛ فقد اختلفت البرامج السياسية والرؤى، وصار الفلسطينيون منقسمين على أنفسهم وثوابتهم، وبالتالي انقسم الإعلام، الذي هو انعكاس للواقع، ولم تعد وسائل الإعلام في غـزة تتفق، مثلاً، مع وسائل الإعلام في الضفـة”.
غير أن أستاذ الإعلام طالب وسائل الإعلام والقائمين عليـها بممارسة دور الرقيب على السياسيين وإجبارهم على تبني لغـة الواقع المؤلم الذي يعيشه اللاجئون في كل مكان، ويجب كذلك تجنيب الإعلام كافة التجاذبات السياسية والبدء الجـاد في معالجـة القضايا الفلسطينيـة على أساس وطني بعيداً عن الحزبية.
وأكد أبو ضهيـر أن بإمكان وسائل الإعلام الفلسطينية أن تحقق الكثيـر من أجل اللاجئين، وتابع قائلاً: "في كل يوم وكل ساعة يكون الحديث عن معاناة جديدة للاجئين، فلماذا لا تقوم الصحف والفضائيات والإذاعات على مختلف أنواعها بتغطية ما يجري ومناقشـته؟".
وقال أبو ضهير إن الإعلاميين مطالبـون، أكثر من أي وقت مضى، أمام الإعلام المفتـوح وما تتيحه الشبكات الاجتماعية والإعلامية من تواصل لتخصيص مساحات وزوايا خاصة ودائمة للاجئين والعمل على إبراز معاناتهم وما يتعرضون له من انتهاكات يومية.
ويضع اللاجئـون اليوم أيديهم على قـلوبهم خـوفاً من مستقبلهم، وخاصة مع سعي السلطة الفلسطينية إلى نيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مستقلة داخل حدود عام 1967؛ إذ يشعر اللاجئـون بأن من شأن هذه الخطوة أن تنسف قضيتهم ولا تسمح بعودتهم إلى أراضيهم وديارهم.
تحدثوا عن معاناتهم
ودعا الباحث الإعلامي والكاتب الفلسطيني الدكتور ناجي شراب إلى تخصيص برامج ومساحات كاملة وشاملة في مختلف وسائل الإعلام الفلسطيني، لإبراز أهمية قضية اللاجئين، وتابع قائلاً: "الكلمة والصوت والصـورة... كل ما يمكن استخدامه، ينبغي لنا نحن الفلسطينيين أن نستخدمه في تناول قضية حق العودة".
وشدد شراب على أن وسائل الإعلام مطالبة بتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، مشيراً إلى أن الإعلام الفلسطيني مطالب باستخدام كافة الفنون لتغطية قضية اللاجئين، وتابع: "نريد أن نقدم قصصاً إنسانية لحياة اللاجئين في المخيمات وكيف يعيشون، ما هي همومهم، ما الذي يجري لهم في الخـارج... اليـوم تخرج لنا وسائل الإعلام بأخبار مخيفة عن أوضاع اللاجئين في الدول الغربية... ومن هنا على الإعلام أن يتعامل مع هذه القضية كقضية أولى وكثابت من الثوابت التي يجب عدم التخلي عنها".
وكانت الشبكة الدولية للحقوق والتنمية قد استنكرت أخيراً في بيانٍ لها بشـدة ما تعرض له لاجئون فلسطينيون في إيطاليا من تنكيل وانتهاكات خطرة لحقوقهم من السلطات هناك، وتعهدت إثارة قضيتهم وتقديم الأدلة بهذا الخصوص للهيئات المعنية في الاتحاد الأوروبي.
خطاب موحد
وذكرت الشبكة الدولية أنها أوعزت إلى محاميها وضع تصور قانوني لملاحقة الجناة الذين انتهكوا حقوق اللاجئين، وروت الشبكة ـ وهي منظمة دولية مسجلة في سويسرا والنرويج ولها مكاتب في أكثر من أربعين دولة في العالم ـ تفاصيل ما تعرض له عدد من اللاجئين الفلسطينيين بمجرد وصولهم إلى إيطاليا، آتين من مخيم "التنف" على الحدود العراقية السورية.
وكان مخيم "التنف" قد أُغلق في 2009 بعد مشروع قرار تقدمت به السويد إلى الاتحاد الأوروبي يقضي بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه على دول الاتحاد، فكان نصيب إيطاليا 170 لاجئاً منهم.
وما إن وصل هؤلاء إلى إيطاليا، حتى بدأت رحلة العذاب، حيث نُقلوا فور وصولهم إلى بيوت مصادرة من رجال المافيا في بلدية "كاليبرا" التي ترزح أصلاً تحت سيطرة عصابات المافيا.
وأورد البيان أمثلة على صنوف المعاناة التي تعرض لها هؤلاء اللاجئون، من بينها اعتداءات وحشية من رجال المافيا أمام عيون رجال الشرطة في أحيان كثيرة.
وذكرت الشبكة الدولية للحقوق والتنمية أنه في خلال الأشهر الأولى، تعرضت عشرات الفتيات للخطف وسُجِّلت حالة موثقة لدى الشرطة بالخطف والاغتصاب الجماعي، ونال الأطفال نصيباً من التحرش الجنسي الفعلي تمثّل بست حالات موثقة من دون معاقبة أي من الجناة.
وأمام هذه الانتهاكات، شدد شراب على أن الإعلام الفلسطيني مطالب بخلع القصور وعدم الاكتفاء بالمعلومات الواردة من الإعلام الخارجي وتابع: "علينا أن نكون نحن من يصدر هذه الأخبار ويتحدث عنـها، وأن نسلط الضوء عليها إعلامياً".
وأشار شراب إلى أن وسائل الإعلام مقصّرة جداً في تغطية أخبار اللاجئين وتفاصيل حياتهم ومعاناتهم، وقال إن المساحات المخصصة في الإعلام المرئي أو المكتوب أو المسموع لا تكاد توازي حـجم الألـم الذي يواجهه اللاجئـون كل يـوم وفي كل مكان.
واتفق شـراب مع ما ذهبت إليه الآراء السابقة بضرورة العمل ضمن خطة إعلامية استراتيجية ووطنية موحدة، واستدرك بالقول إنه أمام هذا التشتت والفوضى الإعلامية والاكتفاء بأخبار سريعة عن اللاجئين، يجب بنحو عاجل الاتفاق على استراتيجية موحدة تضـع الأسس واللبنات المهـمة للتعامل مع هذه القضيـة وكيفية طـرحها بقـوة في كافة المحافل الإعلاميـة.