القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

ختايرة المخيّم...

ختايرة المخيّم...

/cms/assets/Gallery/1033/p19_20130624_pic1.jpg

بقلم: أدهم فهد

«أنا حضرت نكبة الـ 48، وحضرت حرب الأيام الستة، وحضرت حرب تشرين. ما صار اللي عم يصير هلّق! ويكون عندك علم أنا ماني طالعة من المخيّم...».

مخيّم خان الشيح | هكذا قالت الحاجّة أمّ حسام لابنها وهو يُحضر أمتعته هو وأولاده استعداداً لهجرة جديدة من مخيّم «خان الشيح» إلى المجهول هذه المرّة.

الحاجّة أم حسام، التي كبتت مشاعرها ولم تذرف دمعاً على بقرتها الحلوب التي ماتت إثر قذيفةٍ سقطت في الحظيرة... ذرفت دمعاً كثيراً عند رحيل أبنائها الثلاثة. إلا أن وجود العم أبو سمير في مضافته الخالية هذه الأيام ساعدها على نسيان الموضوع جزئياً. أبو سمير أيضاً لم يكترث بمن نزحوا أو طلبوا منه النزوح، وواصل عمله على قدم وساق... إلا أن تغيّرات كثيرة طرأت على روتينه اليوميّ. هو الآن يحضّر قهوته العربية المُرّة على الحطب. لا وجود للغاز في مخيم خان الشيح، وأبو سمير لا يستطيع الاستغناء عن القهوة المُرّة! فهو يعتقد أن القهوة والعقال والكوفية والحكايا في مضافته اليومية إرث أو ربما قطعة من فلسطين، وعليه الحفاظ عليها. مؤخراً، انضمّ الشيخ أبو ماهر إلى ديوان الحاج أبو سمير والحاجّة أم حسام.

أبو ماهر قال لأبو سمير «والله حارتنا منكوبة! وما ظلّ حدا فيها! أخوك أبو مازن أخذ عيالو ونزحوا. اسمع يا أبو سمير: الحالة ضيقة وأنا بعرف راسك يابس، من هلق بدي أقلك: القهوة يوم عليّ ويوم عليك».

صوت القذائف لا يرعب هؤلاء الكبار بقدر خوفهم على الأطفال. يواظبون على نصيحة الآباء بعدم ترك منازلهم والحفاظ على أرضهم «لا تربّوا أبناءكم على النزوح». يبدون نصائح كهذه، وهم يتحسّرون على حالهم و«على أيام البلاد» كما يقولون، أي فلسطين. دائماً تجد في أحاديثهم نبرة من الندم .«لو متنا في بيوتنا هناك في طبريا كان أحسن من هجرتنا»، هذا ما قالته أم حسام وأتبعت ذلك بتنهيدة طويلة.

ومخيّم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين يقع جنوب غرب دمشق، وهو الأقرب إلى حدود سوريا مع فلسطين المحتلة. وكأي مخيم في سوريا، لم يكن مخيم خان الشيح بمعزلٍ عن الأزمة السورية، ولم يسلم أبناؤه من المعاناة والعذاب من طرفي الصراع هنا.

يعيش اليوم معظم أبناء المخيم في حصار مطبق منذ 6 أشهر: لا طحين لتشغيل الأفران. لا مواصلات لتأمين العمال والموظفين والطلاب. ولا محروقات لمساعدة الفلاحين هناك. برغم كل هذا، فإن الحياة في المخيم مستمرة والصمود كبير.

بعد توقف الأفران عن العمل، عمدت نساء المخيم إلى الخبز على التنور أو الوقّادة... لا أحد سيعرف «الوقادة» (الصاج) من الشباب إذا لم يخبره به جيل فلسطين أو ختايرة المخيم.

في مجالسة الختايرة، هذه الأيام، ستتعلم التراث الفلسطينيّ على أصوله. ستعرف أن روث البقر سيصنع لك خبزاً... ستعرف أن فانوس الكاز سيضيء لك داراً وإن لم تجد كازاً ضع به زيتاً كما يقول أبو سمير. ستصنع لبناً وجبناً من عنزة خرفة كعنزة أبو ماهر.

ستنام كما ينام الأغنياء في المدن الكبيرة. لن تشعر بالناموس إذا صنعت ناموسيّة، ما عليك إلا التوجّه إلى أحد كبار المخيم وسؤاله كيف تصنع. هنا أيضاً بسمة ودلع بين مسنّينِ اثنين وذكريات وحنين أثناء حرب اليوم لحروب الأمس.

بطولات وقصص حب وحكايا مثيرة كفيلة بقتل الملل في وقتنا الطويل مع هؤلاء الكبار.

تسقط شمس النّهار ببزوغ قذيفة أخرى لنخسر ختياراً آخر وندفن معه حكايا وطن وتجارب أوطان.

في ظل هذه الظروف، سنكبُر كثيراً كما حال كبارنا، وسنموت غيظاً أو ربما شوقاً على وطن عاش فينا ولم نره. سنرحل إليه في ساعات نقضيها مع ختيار المخيم من دون أن تَطَأ أقدامنا حتى أرض فلسطين!

المصدر: الأخبار