خداع للذات.. وبيع للوهم
أحمد الحيلة
اجتمعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة في 21 تشرين
الثاني/ نوفمبر الجاري، بموجب اتفاق المصالحة الموقّع بين حركتي "فتح" و"حماس"
في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وناقشت الملفات الوطنية كافّة والعالقة منذ التوقيع
على وثيقة الوفاق الوطني عام 2005، مرورا باتفاق القاهرة 2011، وأصدرت بيانا إنشائيا
باهتا تراوح بين التأكيد على المؤكد، وتوجيه الدعوات المتكررة للجنة الحريات، ولجنة
المصالحة، ولجنة الانتخابات، والمجلس التشريعي، وحكومة الوفاق الوطني؛ لتنفيذ المهام
المنوطة بها وفقا لاتفاقيات سابقة معطّلة ومغطّاة بغبار الزمن البائس..!
لقد خرج البيان العتيد إلى العلن، دون إشارةٍ لآليات
تنفيذ، ودون تحديدٍ لجداول زمنية مُلزمة لهذا الطرف أو تلك اللجنة.. كما أنه خلا تماما
من أية إجراءات أو التزامات لرفع عقوبات السلطة الفلسطينية ضد المدنيين في غزة، ناهيك
عن تحسين الظروف المعيشية لهم، لا سيّما على صعيد الكهرباء، والمياه، والصحة، ودمج
الموظفين، وتأمين الرواتب، وضمان فتح معبر رفح بعد أن تسلّمت حكومة الرئيس عباس كافة
المعابر والوزارات والسلطات المحلية في غزة.
هذه النتيجة، وذلك البيان الشكلي الذي حاول القول
بأن المصالحة لم تفشل، كان متوقعا مسبقا لعدة أسباب أهمها:
أولا: اندفاع حركة "حماس" بوتيرة متسارعة في تقديم التنازلات
السياسية والإدارية من طرف واحد، ما أظهرها مهزومة في عين حركة "فتح"؛ التي
تنصّلت بدورها من التزاماتها تدريجيا، واستنزفت جُل ساعات اجتماع القاهرة الأخير في
الحديث عما يُسمى تمكين حكومة الوفاق في غزة، على الرغم من استلامها لكافة الوزارات
والسلطات المحلية والمعابر.. ما يشير إلى عدم جدية الرئيس عباس وحركة "فتح"
في إنفاذ المصالحة بملفاتها المتعددة؛ قبل أن تحقق هدفها في احتوائها لحركة "حماس"
سياسيا، وابتزازها أكثر، لا سيّما على صعيد الملف الأمني وسلاح المقاومة، وهو الموقف
الذي بدى جليا على لسان الرئيس محمود عباس،
ومدير جهاز المخابرت ماجد فرج، وقائد الشرطة الفلسطينية حازم عطالله.. عبر تأكيدهم
على وحدانية السلطة والنظام والسلاح.
ثانيا: ممارسة واشنطن ضغوطا مباشرة على الرئيس عباس
والسلطة في رام الله بإغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتهديدها بوقف
المساعدات، إضافة إلى تلويح الاحتلال الإسرائيلي بوقف تحويلات أموال الضرائب المجباة
لصالح السلطة الفلسطينية؛ إذا قبلت بالشراكة السياسية مع حركة "حماس" قبل
أن توافق الأخيرة على شروط الرباعية الدولية (الاعتراف بالاحتلال، وباتفاقيات أوسلو،
وتسليم سلاح المقاومة).. وهي الضغوط التي أشار لها مدير المخابرات الفلسطينية ماجد
فرج في لقائه الأخير مع قائد حركة "حماس" في غزة، يحيى السنوار.
ثالثا: تزايد الضغط السعودي على محمود عباس لوقف المصالحة مع حركة
"حماس" إن لم توقف الأخيرة علاقاتها مع إيران وحزب الله؛ حيث تريد الرياض
من الفلسطينيين يمينا ويسارا الوقوف معها، في الوقت الذي تمتنع فيه عن تقديم الدعم
للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ الذي يُعلن بدوره عن علاقات أمنية
مميزة مع السعودية في مواجهة إيران وحزب الله في المنطقة.
رابعا: سلبية الدور المصري في توفير الضمانة السياسية
والاقتصادية للفلسطينيين. ففي الوقت الذي تسعى فيه القاهرة لإحياء مسار المصالحة لأهداف
مصرية على شاكلة استعادة دورها الإقليمي، تقف مكتوفة الأيدي أمام الضغوط الخارجية،
ما يؤكد محدودية دورها وتأثيرها في الاتجاه المعاكس لرغبة واشنطن وتل ابيب.
في ظل تكرار التجربة، ومع مراوحة المعطيات المحلية
والإقليمية الراهنة، نعتقد أن مسار المصالحة الوطنية غير قابل للإنعاش الآن، مهما حاولت
حركة "حماس" تغيير تكتيكاتها التفاوضية مع حركة "فتح"؛ لأن الأمر
متعلق بضعف السلطة الفلسطينية، وعجزها عن الوقوف في وجه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية
والعربية.
ومن هنا، فإن على حركة "حماس" أن تعي ما هو معلوم بالضرورة،
أن الثمن المطلوب هو إلقاء السلاح والاعتراف بالاحتلال، والدخول إلى مربع التسوية السياسية.
ودون ذلك سيبقى الحصار والضغط مستمرا، ما يعني الحاجة إلى التفكير بشكل غير تقليدي
للانتقال من مربع المُتلقي للأزمات، إلى مربع الصانع للحدث الضاغط على الطرف الآخر؛
لأن الحقوق، حتى وإن كانت إنسانية، تُنتزع ولا تُسجدى.
وهذا يستدعي من القيادات الوطنية، ومن قيادة حركة
"حماس" أن تتوقف عن خداع الذات وإيهام الناس بقرب رفع الحصار، عبر مواقف
إعلامية دعائية استهلاكية سترتد لاحقا على مروّجيها سلبا، فمن حق الشعب الفلسطيني أن
يعلم الحقيقة، ويعلم من المعطّل للمصالحة؛ قبل أن تواجه "حماس" والمقاومة
الفلسطينية هجمة دعائية ستُحمّلها مسؤولية تعطيل المصالحة بذريعة تعطيلها لما يُسمى
"تمكين" الحكومة، فتتحول حسنة الهجوم الناعم وتقديم التنازلات إلى لعنة.
المصدر: عربي 21