خدمات
الأونروا.. نقصُ تمويل أم تقليص ممنهج؟!
بقلم
| ماهر الشاويش
"إحنا
مش شحّادين"، تصرخ الحاجّة أم محمد داخل مقر وكالة الغوث الدوليّة
"الأونروا" في بيروت، مطالبة بعودة المساعدة الشهرية، وهي اللاجئة للمرة
الثانية من سورية إلى لبنان بعد معاناتها مرارة اللجوء والنكبة الأولى.
بجانبها
ينادي الأربعيني فاروق بأعلى صوته، مردداً عبارات تناشد الأونروا عدمَ تقليص
مساعداتها، خاصةً أنّه يعتمد على هذه المساعدات في إعانة أسرته المكونة من سبعة
أفراد. أمّا وداد، "اللاجئة مكرر"، كما يتندر البعض، فقد اتهمت الأونروا
بأنها تقلص خدماتها تدريجاً، وقالت بحرقة: "رجعونا ع بلادنا وما بدنا هالبهدلة!".
هذه
نماذج لحال أكثر من ألف عائلة فلسطينية سورية لجأت إلى لبنان أثناء الأزمة السورية
وشملها قرار الأونروا الأخير القاضي بقطع المساعدات الشهرية التي كانت تتلقاها هذه
العائلات بعد عملية مسح وتقويم قامت بها الأونروا كلّفت ملايين الدولارات، وأقل ما
يقال عنها أنها تفتقر إلى أدنى شروط الدقة والخبرة ومعاييرهما.
طبعاً،
مبرر الأونروا هو مبرر قديم جديد تستحضره في كل مرة تقلّص فيها خدماتها، وهو نقص
التمويل وعدم إيفاء الدول المانحة بتعهداتها. فالمتابع لمسار تقليص خدمات الأونروا
والمحطات التي مرّ بها، يدرك أن الأمر سياسة ممنهجة، وليس له علاقة بنقص التمويل
وتذبذباته، حيث كانت الخدمات تقدّم لكل اللاجئين دون استثناء، بدءاً من وجبة
الفطور الإلزامية لطلاب المدارس، إلى توفير آلاف فرص العمل، ثم رويداً رويداً بدء
التقليص الممنهج، وقد شمل كافة الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية والتشغيلية،
ليتضح بأن قرارات وكالة الغوث بتقليص خدماتها لها أسباب غير مرتبطة بنقص التمويل
الذي يمكن حلّه بترشيد الإنفاق، ولا سيما في الجانب الإداري وتطبيق معايير
الشفافية في الجانب المالي، لأن السؤال المطروح هو: هل تعجز أكثر من مئة وتسعين
دولة في العالم عن توفير موازنات الأونروا؟ وهل فعلاً لا تستطيع الدول العربية،
والخليجية تحديداً، أن تفي بالتزاماتها تجاه الأونروا، وهي التي تنفق مليارات
الدولارات على شراء أدوات التجميل والعطور سنوياً؟ أم هي رسالة من الولايات
المتحدة الأميركية، الداعم الأكبر للأونروا، والمحرك لسياساتها، لفرض مزيد من
الضغوط على اللاجئ الفلسطيني، بما يخدم رسم قواعد جديدة لإدارة الصراع مع المحتل
الإسرائيلي، بحيث تكون الغلبة فيها له والعجز عن اتخاذ قرارات مصيرية من نصيب
المفاوض الفلسطيني، ما يعني أن البعد السياسي في قرارات تقليص الأونروا خدماتها
حاضر بقوة، ولا سيما عند المفصل الحيوي والحساس الذي يتعلق بالحقوق السياسية
والإنسانية والقانونية التي يمثل حق العودة مرتكزاً أساسياً فيها، في ضوء التحولات
البنيوية التي تشهدها المنطقة؟
باختصار،
سياسة التقليص الممنهج لخدمات الأونروا ما هي إلا مقدمة لمشروع أكبر مرتبط بتصفية
القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، وهي جزء أساسي مما يُحاك في المحافل الدولية،
وتضطّلع الولايات المتحدة الأميركية بدور مهم فيه.
بناءً
عليه، إن المطلوب ـ بالحد الأدنى ـ حملات شعبية ومؤتمرات ومسيرات احتجاجية يقوم
بها الفلسطينيون ومناصروهم، تتوجه إلى مقارّ وكالة الغوث لمطالبتها بتطبيق معايير
نشأتها وأسبابها، والأهداف التي أُسِّست لأجلها على قاعدة التمسك بوجودها.
فالاختلاف معها لا يعني البتة الاختلاف عليها، ولا بد من العمل على فضح ممارسات
أميركا ومن يسير بفلكها، وإبراز هذه الحقائق للرأي العام العالمي، وهو دور وواجب
وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في ظل غياب السياسي الرسمي الفلسطيني
وانشغاله بتوافه الأمور؟!🌟
المصدر:
مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا