خريطة طريق الديمقراطية الفلسطينية
بقلم: د. أيمن أبو ناهية
مما لا شك فيه أن الديمقراطية الفلسطينية شهدت في منتصف العقد السابق تطورًا كبيرًا على صعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتداول السلطات بالطرق السلمية، ما يدلل على التقدم والنضج السياسي واحترام الخيار الديمقراطي والمشاركة الشعبية الجماعية، وقد سبقتها خطوة تعد الأكثر تعبيرًا عن روح الديمقراطية الفلسطينية السليمة، عبرت عنها التيارات السياسية الفلسطينية المختلفة المشاركة في الانتخابات السابقة عام 2006م، وقد وقع حينها 13 فصيلًا وحزبًا فلسطينيًّا خلال الدعاية الانتخابية ميثاق شرف، تعهدوا فيه بالالتزام بسير العملية الانتخابية بشفافية ونزاهة وسط تنافس شريف بين المرشحين والقوائم الانتخابية، والالتزام بالقانون الانتخابي وتعليماته، وتكمن أهمية هذا الميثاق بأنه يعد التزامًا أخلاقيًّا وأدبيًّا من قبل الفصائل بإنجاح العملية الانتخابية، وقد احتوى الميثاق على 25 بندًا, تناولت البنود المحصورة من 5 حتى 20 الحملة الدعائية والانتخابية والقواعد التي التزمت بها القوائم الانتخابية في أثناء حملتها الانتخابية، التي تضمنها القانون الانتخابي في تنظيم الحملة الدعائية والانتخابية.
تُعد الانتخابات الفلسطينية التشريعية التي جرت في 25 كانون الثاني (يناير) 2006م الثانية منذ عام 1996م، وكان من المفترض إجراء تلك الانتخابات في مطلع عام 2000م، ولكنها تعطلت بسبب اندلاع انتفاضة الأقصى، وممارسات الاحتلال (الإسرائيلي)، واتفق في إعلان القاهرة بتاريخ 17 آذار (مارس) 2005م بين الفصائل الفلسطينية كافة، وبحضور رئيس السلطة؛ على إجراء الانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) من العام نفسه، إلا أن الانتخابات تأجلت حتى كانون الثاني (يناير) 2006م.
فهذه الديمقراطية الفلسطينية التي بهرت العالم أجمع، وأذهلت الكيان (الإسرائيلي)، لما دللت عليه من ثقافة سياسية واعية، وأنموذج متحضر للمظهر الفلسطيني الديمقراطي الحديث؛ قد واجهت تحديات جمة عملت على هدمها لحرمان الشعب الفلسطيني حقه السيادي في انتخاب ممثليه وقادته، فالاحتلال (الإسرائيلي) كان أكثر الأطراف الخارجية تأثيرًا على الديمقراطية الفلسطينية وأكثرها معاداة لها، إذ تدخل بشكل مباشر وبأساليب عديدة في الانتخابات الفلسطينية، على رأسها تدخله في وضع القانون الفلسطيني الذي جرت على أساسه انتخابات المجلس التشريعي الأول عام 1996م، وفرضه عقوبات سياسية واقتصادية، وإغلاق المناطق الواقعة تحت سيطرته، ومنها مدينة القدس المحتلة؛ بهدف حرمان كثير من أبناء الشعب الفلسطيني ممارسة حقهم الديمقراطي، كما حرم الأسرى في سجونه حقهم السياسي بالمشاركة في الانتخابات، ما أثر ذلك على الديمقراطية الفلسطينية، لكن _كما قلت_ الانتخابات جرت في ظل رفض (إسرائيل) والولايات المتحدة مشاركة حركة "حماس" فيها، وتهديداتهما بقطع المعونات المالية عن الشعب الفلسطيني في حال فوز "حماس" واشتراكها أو تشكيلها للحكومة الفلسطينية، وقد كتب الله لها الفوز في الانتخابات، ونجحت في تشكيل الحكومة وتسيير أمور البلاد، رغم محاربتها من الأطراف الدولية وفرض الاحتلال الحصار عليها، وكان الهدف ليس حركة وحكومة "حماس"، بل "معاقبة" الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي.
فـ(إسرائيل)لا تريد منافسًا ديمقراطيًّا بجوارها؛ لتكون هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة دون منافس، لهذا إنها لا تريد أن تنجح التجربة الديمقراطية الفلسطينية؛ لأنها لا تستطيع أن تظهر الفلسطينيين للرأي العام العالمي بأنهم لا يستحقون الاستقلال وأنهم غير جديرين به، إذا كانت لديهم ديمقراطية ناجحة، ولقد أثبتت التجربة خلال الاحتلال (الإسرائيلي) لأراضي الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967م أنها لم تشجع وجود أي نوع من أنواع حرية التعبير والعمل المنظم لدى الفلسطينيين، على أساس أن ذلك يتناقض بطبيعة الحال مع قوانين الاحتلال، مع أن "اتفاقية أوسلو" دعت في البند الثالث منها إلى: " تمكين الشعب الفلسطيني من حكم نفسه بنفسه وفقًا لمبادئ الديمقراطية، وإجراء انتخابات مباشرة واحدة وعامة"، والجدير بالذكر أن قانون الانتخابات الفلسطيني هو قانون مؤقت، يتعامل مع المرحلة الانتقالية من المفاوضات مع (إسرائيل)، التي يفترض أن تستمر خمس سنوات فقط، إلا أنه بسبب الاحتلال (الإسرائيلي)، وعدم قدرة السلطة على التوصل إلى قانون جديد؛ قد استمر العمل بالقانون السابق.
لقد خسرت التجربة الديمقراطية الفلسطينية التي أشاد بها المراقبون الدوليون وكل ما حققته في السنوات الماضية، ولم يكن من المتوقع أن تصل إلى ما وصلت إليه من عدم احترام وتقدير لإرادة الناخب الفلسطيني، وبات من الصعب الحديث عن الحياة الديمقراطية الفلسطينية في السنوات الأخيرة الماضية (أي ما بعد انتخابات عام 2006م)، بعد ما تشوهت نتيجة للخلافات بين حركتي فتح وحماس، التي أدت إلى عدم انعقاد المجلس التشريعي المنتخب، لذا على كل أبناء الشعب الفلسطيني، على اختلاف مشاربهم في الداخل والخارج، بكل فصائله وأحزابه وأطيافه السياسية؛ تحديد مصيره ورسم مستقبله والتوجه للتسجيل، والاستعداد إلى المرحلة القادمة، وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، وأن يسعى جاهدًا لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، مهما كلفه الأمر، وألا يسمح للتدخلات الخارجية والإقليمية بنزع حقه الديمقراطي الذي سار عليه في عام 2006م.