خريطة محدثة
لما يراه الاحتلال مخاطر محدقة
بقلم: عدنان
أبو عامر
دأبت معاهد الأبحاث
والتخطيط الإسرائيلية على إصدار تقديرات إستراتيجية: أمنية وسياسية وعسكرية، تتناول
فيها تطورات المنطقة، وتقدم جملة توصيات لصناع القرار الإسرائيلي بشأن التعامل مع التحديات
القائمة، ما يجعلها مرجعاً أساسيّاً لدى الدوائر السياسية والعسكرية والاستخبارية الإسرائيلية.
تبقى الساحة
الفلسطينية الإسرائيلية متصدرة دائرة المخاطر، خاصة مع فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية
والاحتلال، دون تحقيق اتفاق سياسي؛ لأن الطرفين ذهبا إلى المباحثات مكرهين، مع إدراكهما
عدم جدواها، ووافقا على إجرائها لعدم الوقوع في مواجهة مع الإدارة الأمريكية.
السلطة الفلسطينية
تدرك أن الكيان العبري ليس معنيًّا بإنهاء الاحتلال، ويعمل من أجل استمرار السيطرة
على المناطق الفلسطينية بالاستيطان في الضفة الغربية، ويحمل الفلسطينيين مسؤولية الجمود
السياسي، وهو ما عززه إصرار المفاوض الإسرائيلي على استمرار الوجود العسكري في مناطق
السلطة الفلسطينية بعد توقيع الاتفاق، وإقامة الدولة، والاحتفاظ بحق استخدام هذه القوات
دون تحديد زمن معين لهذا الوجود وهذا النشاط.
التنبؤ الذي
تقدمه التقديرات الإسرائيلية يؤكد غياب الإرادة للحل عند الطرفين، في ضوء الائتلاف
اليميني الذي يقوده "بنيامين نتنياهو"، والمعارضة الشديدة التي يبديها ائتلافه
الحكومي لأي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، في حين يبدو محمود عباس ضعيفاً، ويحظى بشرعية
منخفضة في أوساط الجمهور الفلسطيني، ما يجعله غير قادر على قبول اتفاق يمليه الكيان
العبري.
وتحظى حماس بنصيب
وافر من النقاشات الإسرائيلية التي تتحدث عن خياراتها المحدودة، التي دفعتها نحو المصالحة
مع فتح، والموافقة على تشكيل حكومة لا تضم ممثلين عنها، لكن اندلاع حرب غزة الأخيرة
شكل انهياراً عمليّاً للمصالحة؛ بسبب عدم جاهزية الطرفين لتطبيق اتفاقها؛ لأن كلّاً
منهما يعتقد أن الآخر يستغل الاتفاق ليضعفه، ثم القضاء عليه، وفي الوقت نفسه إن حماس
وفتح على حد سواء ليستا مستعدتين للإعلان رسميًّا انتهاء المصالحة؛ بسبب تخوفهما من
أن يتهمهما الجمهور الفلسطيني بإفشالها.
وفي حين تستفيض
المحافل الإسرائيلية بالحديث عن أهم نتائج حرب غزة، بظهور نمط العمليات الفردية في
الضفة الغربية المسماة "الذئب الوحيد"، والمواجهات بين جيش الاحتلال والفلسطينيين
في محيط ومداخل المسجد الأقصى؛ تدعو للاستعداد إلى جولة عسكرية أخرى قد تحدث، إذا فقدت
حماس قدرة السيطرة على غزة، وضبط المنظمات السلفية فيها، ما يتطلب من الجيش أن يسعى
لتحقيق الحسم الواضح، بالاستناد إلى ما يسمى "مبدأ الهجوم الأمني والاعتدال السياسي".
ما زالت الدائرة
الإيرانية تحتل حيزاً كبيراً من النقاش الإسرائيلي، في ظل المخاطر الناجمة عن البرنامج
النووي الإيراني، وعدم صحة التوقعات بشأن التوصل إلى اتفاق بين مجموعة دول
"5+1" مع إيران، ما يعزز أن إيران مشروعها النووي يتقدم الأخطار الخارجية
المهددة للأمن الإسرائيلي؛ لأنها معنية بالمحافظة على مكتسباتها وإنجازاتها في مجال
الذرة التي تبقيها دولة حافة نووية، وتريد رفع العقوبات الاقتصادية كافة عنها.
الاضطرابات الإقليمية
في المنطقة، وأثرها على الأمن الإسرائيلي تناولتها التقديرات الإسرائيلية بالحديث جنوباً
عن العلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ طرأ تحسن كبير فيها في عهد السيسي، وحربه على
جماعة "الإخوان المسلمون" وحماس، وقد وفرت خطواته فرصاً إضافية لتعاون أمني
وعسكري بين الكيان العبري ومصر وتعميقه، لكن هذا التعاون الأمني والعسكري لم يمتد إلى
مجالات التعاون المدني والاقتصادي بينهما.
أما الجبهة السورية
فإنها تمر بحالة من انسداد الأفق بفعل الحرب الدائرة فيها؛ فليس بمقدور مقاتلي المعارضة
إخضاع النظام، ويعجز الأخير مع تلقيه الدعم المالي والعسكري المتواصل من إيران والعراق
وحزب الله عن حسم الأمور لمصلحته، في حين تتزايد الاستعدادات لمواجهة حزب الله، بالتدرب
والتخطيط لحرب توجه فيها ضربة قاسية جدّاً إليه، وإلى قدراته العسكرية؛ لإضعافه قدر
الإمكان بعد رحيل النظام السوري.
تواصل الأوساط
البحثية الإسرائيلية الاتجاه شرقاً نحو العراق وظهور تنظيم الدولة، وما عدتها إنجازات
حققها ميدانيّاً، ما وفّر فرصة للكيان العبري لبناء تحالفات جديدة مع الدول العربية
المعتدلة، ومع الإقرار بدور الكيان في القتال ضد التنظيم، بتوفير المعلومات الاستخباراتية،
لكن هذا الدور ظل على نار هادئة؛ خشية أن يضطر إلى دفع الضريبة المطلوبة منه للانضمام
إلى النادي المناهض لـ"داعش" في المنطقة، والمتمثلة في التحرك السياسي باتجاه
حل سلمي وتسوية مع الفلسطينيين، أو بلورة موقف إيجابي من المبادرة العربية للسلام.
المصدر: فلسطين
أون لاين