خضر
عدنان الإرادة تفرض نفسها مجددًا
بقلم:
لمى خاطر
بعد انتصار
الشيخ خضر عدنان مرة ثانية في معركة الإرادة داخل الزنازين، وبعد إرغامه المحتل على
التنازل وهو لا يملك من سلاح المجابهة إلا جوعه أعيد نشر مقالي، الذي كتبته خلال معركة
خضر عدنان السابقة؛ فالعبر نفسها تشخص اليوم، لتلقي ظلها على مساحة الوطن كله، في وقت
تتعاظم فيه الحاجة لمبادرات التمرّد والرفض الاستثنائية التي تكسر نمطية التسليم بإملاءات
المحتل وصلفه وعدوانه، داخل السجن وخارجه:
أن تبدأ
المعركة من داخل الزنازين، وأن يكون الأسير جوادها وحادي ركبها، وأن تكون حياته وقودها؛
هذا يعني أننا أمام حالة انتصار حقيقية، وأن إدانة الاعتقال وإدامة حالة التفاعل مع
قضية الأسرى في سجون الاحتلال قد انتقلتا نقلة نوعية أخذتهما من حالة الرتابة والتقليدية
التي كانتا تراوحانها في العادة إلى آفاق جديدة عنوانها الأسير الرمز واستثنائية الحالة
البطولية.
خضر عدنان
قرر أن يرفض الاعتقال الإداري، وينهيه بإرادة حديدية وهمّة شامخة وإصرار مسبق، مع توقّع
لجميع المآلات، ولذلك لم يكن غريباً على قامة الشيخ خضر عدنان أن تقترب من الشهرين
في إضراب متواصل يرافقه عزم على الاستمرار إلى حين تحقيق مطلبه وإنهاء سياسة الاعتقال
الإداري.
وقد أحسن
الشيخ خضر إذ جعل الاعتقال الإداري عنواناً لمعركة صموده وصبره الطويلة، وهو الاعتقال
وفق مزاج مخابرات الاحتلال، ودون أن تكون هناك تهمة فعلية تقضي (وفق قانونها) باحتجاز
الأسير، وهي السياسة التي أرهقت عزائم ضحاياها، وتركتها سنوات طويلة نهبة انتظار ممل
ومفتّت للأعصاب، وهي فرصة لتعريف العالم ومنظمات حقوق الإنسان هذه السياسة، مع ما سيمثله
إضراب الشيخ من دافع لحراك قانوني في المنابر الدولية في سبيل إنهاء الاعتقال الإداري،
أو على الأقل الحدّ منه.
ندرك
أن الاحتلال ليس من النوع الذي يخضع بسهولة، فعنجهيته تأبى عليه الاستجابة لمطلب أسير
حتى لو أدى إنكار مطالبه إلى وفاته، لأن الاستجابة تعني ليّ ذراع مخابرات الاحتلال،
وإغراء آخرين بخوض إضرابات أخرى اقتداء بمن يحقق إنجازاً في معركة الأمعاء الخاوية
التي يخوضها، لكن تفاعلات قضية الشيخ خضر عدنان لابدّ أن تشكل حرجاً لكيان الاحتلال،
وأن ترغمه على المدى البعيد على إعادة النظر في سياسة الاعتقال الإداري، خصوصاً أن
السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً في حالات الاعتقال الإداري، وإسرافاً في تمديد احتجاز
الأسرى الإداريين مددًا طويلة ومتواصلة تصل إلى عدة سنوات، وكلّ هذا دون تهمة معلنة
أو محاكمة.
ونعود
إلى ما قلناه بداية، وهو مغزى وأهمية أن ترفع الضحية بنفسها لواء حريتها، مع أن واجب
الآخرين الانتصار لها والعمل على تحريرها، ولكن التجربة أثبتت أن ما يجبر الاحتلال
فقط على التنازل في ملف الأسرى هو قوة السلاح، على نحو ما حدث في صفقة وفاء الأحرار
وسابقاتها، أو إضراب الأسرى أنفسهم وتصعيدهم، وهو ما من شأنه أيضاً أن يعيد قضية الأسرى
بقوة إلى واجهة التفاعل، ويجذب الاهتمام الشعبي والإعلامي بها على نحو يفوق ما قد يحدثه
التفاعل الخارجي المعزول عما يجري داخل السجون.
إن وصول
الشيخ خضر عدنان إلى هذه المرحلة من تحدي السجان يعني أنه سجل انتصاراً حقيقيّاً عليه،
وأن رمزيته تجذّرت عنوانًا للإصرار ولتجاوز حاجز المستحيل، وهو ما أكسب حركة التضامن
معه داخل فلسطين وخارجها ألقاً خاصّاً وبريقاً مختلفًا، في وقت تبدو فيه القضية الفلسطينية
_وتحديداً شأن الأسرى_ في أمسّ الحاجة لمثل هذه الرمزية المجددة روحَ التحدي، والباعثة
على استعادة زمام المبادرة المبادرة إلى الفعل الحقيقي، ولاجتراح آليات مقاومة شتى،
تحسن توظيف كلّ أوراق قوّتها، واستنهاض همم ومشاعر الجمهور بعد ركود طويل وتسليم بقلّة
الحيلة.
المصدر:
فلسطين أون لاين