خطاب أوباما:
أكثر من خطة عمل لمصلحة
الاحتلال وإعادة رسم المنطقة
بقلم: رأفت
مرّة - بيروت
زار الرئيس الأميركي باراك أوباما فلسطين المحتلة، أواخر
شهر آذار/ مارس الماضي، والتقى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ومجموعة من الشباب
في مركز للشباب في البيرة، لا يزيد عددهم عن ثمانية، وزار كنيسة المهد في بيت لحم.
وكان أوباما التقى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ورئيس
الحكومة بنيامين نتنياهو، وزار ما يسمى بـ"متحف المحرقة" في القدس المحتلة،
وقبر ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية، وقبر إسحق رابين رئيس وزراء الاحتلال، الذي اغتيل
عام 1995.
وألقى أوباما كلمة سياسية موسعة، اعتبرت متممة للكلمتين
اللتين ألقاهما في تركيا ومصر عام 2009، من حيث رغبته في التوجه للرأي العام المخاطب
بشكل مباشر، وشرح وجهة النظر الأميركية تجاه ما يجري في المنطقة.
خصائص الزيارة
هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها الرئيس الأميركي
باراك أوباما لفلسطين المحتلة، وقد أراد أن يستهل إعادة انتخابه لدورة ثانية، بالالتقاء
بقادة الكيان الصهيوني، والتحدث مباشرة للجمهور الإسرائيلي.
وأعلن أوباما عن هذه الزيارة، بعد انتهاء الانتخابات
الإسرائيلية، وحدد موعدها قبل تشكيل الحكومة.
وجاءت الزيارة رغم فوز نتنياهو في الانتخابات، وقد توترت
العلاقة بينهما لعدة أسباب، أهمها:
الخلاف حول توجيه ضربة لإيران، تدخل نتنياهو في الانتخابات
الأميركية بشكل مباشر إلى جانب ميت رومني خصم أوباما، موقف الرئيس الأميركي بتجميد
الاستيطان وإطلاق المفاوضات وتسهيل عمل محمود عباس.
وعمل أوباما على تصحيح علاقته بنتنياهو، وبسبب معرفته
بموقف الرأي العام الإسرائيلي الكاره له، أراد الرئيس الأميركي التوجه مباشرة إلى عقل
الإسرائيلي، مخاطباً مصالحه وحاجاته ومخاوفه ومشاكله وهواجسه. واعتبر أوباما هذا التوجه
بمثابة تحدّ، وهو أراد أن يتطلع للنتائج.
ويدرك أوباما أنه يتحدث إلى المجتمع الإسرائيلي في ظل
الثورات العربية، خاصة في كل من مصر وسوريا، وبعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة،
وبعد تطور عمل المقاومة في كل من لبنان وفلسطين، وارتفاع مخاوف المجتمع الصهيوني من
الملف النووي الإيراني، والقلق الإسرائيلي من تدهور الوضع في سوريا، وصعود دور جماعات
إسلامية تتهمها واشنطن بالإرهاب.
قواعد الخطاب
لذلك.. إن من يسمع أو يقرأ خطاب باراك أوباما في فلسطين
المحتلة، الذي وجهه للإسرائيليين، يخلص بالنتائج الآتية:
1- إشادة أميركية هائلة بـ"إسرائيل"،
وثقافتها وانفتاحها، وتاريخها الضخم وتراث أجدادها.
2- ربط أوباما أكثر من مرة تاريخ "إسرائيل"
التوراتي بتقدمها التكنولوجي، واعتبر أن "إسرائيل" تمثل تزاوجاً بين الماضي
الذي يمثل معاناة كبيرة للأجيال، والحاضر العلمي الذي قال عنه أوباما إن "إسرائيل"
بذلت فيه جهداً كبيراً لحد مشاركتها في اختراعات علمية وتكنولوجية.
3- تحدث الرئيس الأميركي بإسهاب عن قيمة الحرية،
وعن أهمية الحرية، واعتبر أن "أجداد" المجتمع الإسرائيلي ناضلوا من أجل الحرية،
وأن "الشباب" الإسرائيلي يستحق الحرية، وذكر أوباما مصطلح الحرية أكثر من
15 مرة.
4- تحدث أوباما في الخطاب بوصفه الأب الشرعي
للإسرائيليين، الحريص على مصالحهم، المدرك لواقعهم الصعب المأزوم الناتج عن مشاكل اقتصادية
وتغير ديمغرافي، وتغير سياسي اجتماعي حاصل في المحيط العربي.
وكان أوباما شديد الوضوح تجاه "إسرائيل"، الولايات
المتحدة ملتزمة بأمنها، وأن واشنطن ستحميها وتدافع عنها. لكنه ذهب إلى ما هو أوضح من
ذلك: أن القبة الحديدية لا يمكن أن تحمي "إسرائيل" إلى الأبد، وأن الحماية
الحقيقية لـ"إسرائيل" تكون في اتفاق "سلام".
5- إن
أوباما وضع خطاً واضحاً أمام "إسرائيل"، أن مستقبلكم يقوم على الهدوء والتنمية
والسلام، وأن المدخل لهذا الأمر هو حل مع الفلسطينيين، وأن شرط ذلك هو يهودية الدولة،
والتخلص من الثقل السكاني العربي القائم في الضفة الغربية.
وهو بذلك يطرح على "إسرائيل" التخلص من العبء
الفلسطيني، والقبول بحل الدولتين، الذي يدعمه أوباما بشكل كبير، وحثّ الإسرائيليين
على الالتزام به.
خلاصات من الخطاب
نستخلص من خطاب أوباما النتائج الآتية:
1- أن خطاب أوباما لم يأت من فراغ، بل يأتي
ضمن استراتيجية أميركية واضحة عنوانها إعادة بناء المنطقة على أسس جديدة، بعد المتغيرات
الاجتماعية والسياسية والأمنية الحاصلة.
2- أن أوباما لم يقدّم أفكاراً محددة للمفاوضات
الفلسطينية والإسرائيلية، بل وضع قواعد واضحة أمام "إسرائيل"، ودعاها للالتزام
بها مثل حل الدولتين، والتخلص من العبء البشري الفلسطيني.
3- أن أوباما وضع كل إمكانيات الولايات المتحدة
العسكرية والأمنية والاستخباراتية وتبادل المعلومات في متناول الإسرائيليين، لكنه قال
أيضاً إن ذلك لا يحل المشكلة، فالأزمة في رأي الأميركيين قائمة في مكان آخر.
4- أن كلام أوباما ليس سحراً وليس إعجازاً،
قد ينجح في "إقناع" الإسرائيليين به، وقد يفشل، لكنه أراد أن يقول لهم أنا
معكم دائماً في أي خيار تتخذونه، في إعادة "درامية" لوضع "العصمة"
بيد إرهابي.
المصدر: البراق، عدد نيسان، 2013