القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

خطاب اللاجئ الفلسطيني في لبنان «مارتن لوثر كينغ»..«لدي حلم»

خطاب اللاجئ الفلسطيني في لبنان «مارتن لوثر كينغ»..«لدي حلم»

بقلم: ياسر علي

النص مأخوذ كله من خطاب مارتن لوثر، تم التصرف بمتغيرات الزمان والمكان وفوارق اللجوء والعبودية، وأثبتناه بدون مقدمات للتأكيد على أن الظلم واحد مهما تغير الزمان أو المكان أو الظروف.. وخطاب الحرية واحد من فجر الخليقة حتى الثورات المعاصرة.

.. معيداً خطابه الشهير في العام 1963، قال اللاجئ الفلسطيني في لبنان «مارتن لوثر كينغ»:

قبل أقل من مئة عام، وتحديداً في العام 1922 أعلن الدستور الفلسطيني عن معاملة خاصة للبناني العامل في فلسطين، ورأى أن يُعامل كالفلسطيني. كان ذلك القرار أملاً لعلاقات حسنة بين الشعبين الجارين، من دون أن يتوقع أحدهما النكبة في العام 1948.. لكن ما حصل الآن من معاملة معاكِسة جدير بأن ينبّه الدول العربية التي تعامل مواطني هذه الدولة بالمثل، إذا ما حدثت -لا سمح الله- نكبة لها.

وبعد أقل من مئة عام، يجب علينا أن نواجه الحقيقة المأسويّة وهي أن اللاجئ الفلسطيني لا يزالُ مُعاقاً بقيودِ العزلِ في مخيمات، ممنوعاً من التملك، وبأغلالِ العنصريّة بمنعه من العمل الشريف. بعد مئة عامٍ، لا يزالُ الفلسطيني اللاجئ الذي ظنّ أنه بين أهله وإخوته يعيشُ على جزيرةِ فقرٍ وحيدة في وسط محيطٍ فسيحٍ من الرخاءِ الاقتصادي.

بعد مئة عامٍ، لا يزالُ الفلسطيني يذبُل في زوايا المخيمات وزواريبها، ويجدُ نفسَهُ منفيًّا إلى بلاد الاغتراب. لهذا، جئنا إلى هنا اليوم كي نصوّر لكم وضعاً مروّعاً.

لقد أتينا إلى وسط العاصمة بيروت لنصرف (شيكاً)؛ فعندما أنشأوا الجمهورية صاغوا لها أجمل الكلام عن الدستور وإعلان الاستقلال، وكانوا يوقّعون على صكٍّ ظننّاه سيعطي كل ذي حق حقَّه. كان ذلك الصكُّ وعداً بأن للجميع ضماناً بحقوقٍ لا تضيع، وحريةٍ، وسعيٍ حثيثٍ وتوفير حياة كريمة من أجل تحقيق العودة والتحرير.

من الواضح للعيان أن الإدارة اللبنانية اليوم خالفت بنود ذلك الصكّ كلما تعلّق الأمرُ باللاجئين الفلسطينيين. فبدلاً من الوفاء بأحكام ذلك الالتزام، أعطت اللاجئين (شيكاً) زائفاً. (شيكاً) كُتبَ عليه بعد محاولة صرفه: «لا يوجد رصيدٌ كافٍ».

لكننا نرفضُ أن نصدّق بأن مصرف العدل قد أفلس. نرفضُ أن نصدّق بأن لا أموال كافية في الخزائن الضخمة للفرص في هذه البلاد. لذا، فقد قدِمنا لنصرف هذا (الشيك) الذي سيمنحنا، نزولاً عند طلبنا، ثروةَ الحقوق المدنية والاجتماعية، وأمن العدالة.

إن الأمر قد يُصبح مُهلكاً إن تغافلت الدولةُ عن إلحاح هذا الوقت، أو استخفّت بعزيمةِ اللاجئين وإصرارهم على حقوقهم وعلى رأسها حق العودة، وإن هذا الاجتماع ليس النهاية، بل البداية.

إن روح النضالِ الجديدة والرائعة، التي تَشبَّعَ بها مجتمعُ اللاجئين، يساعدهم على إدراك مواقف الأطراف وتوازنات الكتل السياسية، الأمر الذي يوضح أن العديد من إخواننا اللبنانيين يؤيدوننا، ويدلّ على هذا وجودهم اليوم بيننا، لأنهم أدركوا أن قدرهم مقيّدٌ بقدرنا، وأن القضية الفلسطينية هي رابطٌ لا يقبل الانفصام، ونحنُ لا يمكننا أن نمضي وحدنا.

وبينما نحن نمضي قُدماً، يجبُ علينا أن نأخذ على أنفسنا عهداً بأن نواصل المسيرة. فلا يمكننا أن نتراجع. هنالك أناسٌ يسألون أنصار الحقوقِ المدنيّة: «متى ترضون؟». لن نرضى ما بقيَ اللاجئ ضحيةً لرعبٍ لا يوصف من وحشية القوانين العنصرية. لن نرضى أبداً ما دامت أجسادنا مثقلة بالنكبة.. لن نرضى ما دامت هناك قوانين تحرّم على الفلسطيني التنقل والعمل والتملك. ولن نرضى أن نعيش بدون كرامة.. وإنّ حصولنا على الحقوق والكرامة وسيلة تساعدنا على النضال من أجل العودة إلى بلادنا. ولن نكلّ ولن نملّ حتى نحقق العودة المنشودة..

عودوا إلى (مخيمات صور الممنوعة من إدخال مواد البناء)، وعودوا إلى (مخيمات صيدا المحاصرة بالإشاعات الأمنية). عودوا إلى (مخيمات شمال لبنان الذبيحة المدمرة المهجّر أهلها). عودوا إلى (مخيم بعلبك الخالي من معظم سكانه المهاجرين). عودوا إلى (مخيمات بيروت في أحزمة البؤس). وعودوا إلى (التجمعات الصغيرة الضيّقة في الشريط الساحلي التي لا يعمل أهلها إلا في مواسم الزراعة والقطاف)، واعلموا أنه بطريقةٍ ما سوف يتغير هذا الوضع. دعونا لا نتخبّط في وادي اليأس.

إخواني، أقول لكم اليوم إنه رغم الصعوبات والإحباطات التي نمرّ بها، إلا أنني ما زلتُ أحتفظُ بحلمي. إنه حلمٌ متأصلٌ بعمق في الحلم الفلسطيني.

لدي حلمٌ.. بأنه في يومٍ من الأيام سوف ينهض ضمير الدول العربية، وتُحيي المعنى الحقيقي لبقائها والتزامها فتقول: «إننا نلتزم بهذه الحقائق لتكون بيّنةً بأن الجميع خُلقوا متساوين».

لديّ حلمٌ.. بأنه في يومٍ من الأيام وعلى تلال (فلسطين) الخضراء، سوف يجلس أبناءُ اللاجئين السابقين، وأبناء أصحابهم اللبنانيين معاً الى مائدةِ الأخوّة. يزرعون الأرض معاً ويحصدونها معاً، ويتسامرون في الليالي المؤنسة معاً..

لديّ حلمٌ.. بأنه في يومٍ من الأيام، حتى (مخيمات لبنان)، التي تُعدّ صحراء قائظة بفعل حرارة الظلم والاضطهاد، سوف تتحولُ إلى واحةٍ للحرية والعدالة. وسينال أهلنا اللاجئون فيها حقوقهم المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حقوقاً تقوّيهم وتساعدهم على مدّ جسور العودة والتحرير إلى فلسطين التي لا يمكن أن ينسوها مهما طال الزمن.

لديّ حلمٌ بأن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولةٍ فلسطينية مستقلة، يتذكرون أن إخوانهم اللبنانيين أنصفوهم حين كانوا لاجئين، ورفضوا عنصرية فئة قليلة منهم، ولم يحكموا على اللاجئين على أساس لون بشرتهم أو لهجتهم أو ديانتهم، وإنما لشخوصهم وأفعالهم. لديّ اليوم حلم..

لديّ حلمٌ اليوم.. لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف تُرفع كلُّ الأودية، وتُخفضُ كلُّ الجبال والتلال، وتُسوّى الأراضي غير المستوية، وتُقوَّمُ الطرق المعوجّة، ويظهر مجدُ الربّ حيث يراه كل البشر معاً (...)

عندما نقرع جرس الحرية، وعندما نقرعه من كل المخيمات وكل محيطاتها، بل كل الأراضي اللبنانية سنستطيع أن نعجّل قدوم ذلك اليوم المنتظر الذي يكون فيه الجميع سواسية، يشبكون أياديهم ويتغنّون بكلماتِ النشيد:

طلعنا على الضوّ/ طلعنا على الريح/ طلعنا على الحرية/ طلعنا..

تحررنا..

المصدر: هافينغتون بوست عربي