خطة كيري.. المشروع
الجديد لإسقاط حق العودة
أحمد يوسف الاحمد
اكثر
من سبعة قرون من الزمن مضت وما زالت مأساة الشعب الفلسطيني مستمرة مع الاحتلال ,
ابرز اشكال تلك المعاناة تبدو في أولئك الذين هجروا قسرا من ديارهم واوطانها تحت
تهديد القتل وزهق الارواح وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها , ورغم هذا البعد الطويل
عن الوطن الا أن ذاكرة اللاجئ الفلسطيني ما زالت حية , ولا يعيش فيها الا حلم العودة
الى الارض التي هجر منها , وبقيت معالم بيته شاخصة في ذهنه حتى اليوم بكل زواياها
وأركانها , وبالرغم من محاولات الهدم والطمس من قبل الاحتلال , لكنها بقيت عصية على الاندثار , وبقي ذلك الحلم
يشكل دافعا لكل من عاش تلك المأساة الانسانية , سواء الذين سكنوا المخيمات داخل
الوطن المحتل او الذين تفرقوا الى دول الشتات .
ومنذ
عام 1948م مرورا بعام 1967م الذي شهد موجة اخرى من النزوح الفلسطيني الى دول
الجوار العربي نتيجة العدوان الاسرائيلي، لم تجد قضية اللاجئين حلا حقيقيا ينتهي
بالعودة والتعويض لكل من فقد ارضه وشرد عن وطنه، اذ بقيت قضية اللاجئين
الفلسطينيين أكبر قضية لاجئين في العالم، فقد قدر مجموع الشعب الفلسطيني عاو 2010م
بأكثر من عشرة ملايين فلسطيني، ما زال سبعة ملايين ونصف منهم لاجئون، أي حوالي 70%
من عدد السكان.
ورغم
مرور السنين الطويلة وتقلبات الزمن وقسوة العيش المريرة التي لا ترحم ضعيفا ولا مريضا،
رغم كل ذلك بقيت مسالة العودة الى الديار راسخة في اذهانهم، وبقي الشغف الى ثرى
الوطن المقدس يزداد يوما بعد يوم، حتى مع أولئك الذين قدر لهم العيش في بلاد
متطورة ومتقدمة في اروبا او امريكا، وذاقوا حلاوة العيش وعرفوا رغد الحياة هناك،
لكن ذلك لم يحل دون التمسك بحقهم في العودة الى القرى والزقاق والاحياء الفقيرة
التي تركوها وبقيت فيها احلامهم وذكرياتهم.
ورغم
تجاهل المجتمع الدولي الذي تواطأ تاريخيا مع انشاء الكيان الاسرائيلي وتجاهل حقوق
الشعب الفلسطيني حتى مع وجود بعض قرارات الشرعية الدولية التي تدين اسرائيل بقي اللاجئون
الفلسطينيون متمسكون بحقهم في العودة وعدم التنازل عن ذلك مهما طال العمر او امتدت
بهم السنون، حتى ان ذلك المصطلح ( حق العودة ) ارتبط ضمنيا بالشعب الفلسطيني ,
فأينما يشار الى حق العودة او يأتي ذكره في أي سياق تتجه البوصلة الى قضية
اللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا اقطارا كثيرة وتفرقت بهم السبل في بلاد الشتات.
ويعزى
ذلك لربما الى انها أكبر قضية لجوء في العالم، ولربما ايضا الى تمسك هؤلاء الناس
بحقهم رغم كثرة محاولات التصفية والاسقاط الذي تعرض لها ذلك الحق من قبل قوى
عالمية ومستكبرة وكلمتها نافذة في العالم، لكنه بقي عصيا على التصفية الاندثار،
لذا فقد اراد اصحابه ان يخلد في اذهان الاجيال حفاظا عليه كحق تاريخي لا يمكن ان
يساوم عليه او يقايض باي بقعة في الارض او تعويض بالمال.
لقد
كانت آخر المشاريع الدولية التصفوية لحق اللاجئين في العودة ما عرف بخطة كيري
للسلام في الشرق الاوسط التي لم تنتهي
فصول حكايتها حتى اللحظة , ولربما يجري في الخفاء هندسة اخراجها في صورة حل عادل
وشامل لمشكلة اللاجئين , دون ان تتضمن أي لفظ يشير الى حق العودة , وكانت حتى دون
المستوى الذي قدمه بل كلنتون الرئيس الامريكي السابق , حينما تحدثت في بندها
الخامس عن التوطين والهجرة وعودة محدودة لأراضي الدولة الفلسطينية واسرائيل , ولم
تتعرض اطلاقا لقرارات الشرعية الدولة الصادرة بهذا الخصوص , من ذلك القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في
11/12/1948م و الذي رغم عدم نصه على الحق الفلسطيني الكامل الا انه دعا الى وجوب
السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم .
ان
غاية ما تحدثت عنه الوثيقة هو ان يتم السماح الى بعض العائلات الفلسطينية بجمع
الشمل في الضفة وغزة، ويمنح اللاجئون حق التعويض او الهجرة، وتتعاون في ذلك دول
الخليج خاصة السعودية والامارات والكويت وقطر في فتح ابوابها للفلسطينيين كما
تساهم في تمويل صندوق العودة لإنجاز التعويض او الهجرة.
وقد
اعتبر توماس فريدمان اثناء زيارته لإسرائيل اواخر شهر كانون الثاني للمشاركة في
مؤتمر اصدقاء الارض لدفع عملية السلام ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
يمتلك قوة سياسية هائلة لانجاز هذا الاتفاق , حيث كان متحمسا جدا لتلك الوثيقة
التي كشف في مقالة له نشرتها صحيفة نيويورك تايمز ان وثيقة كيري للسلام في الشرق
الاوسط تشمل اسقاط حق العودة , وانها لا تتضمن أي حق لعودة اللاجئين الفلسطينيين
الى اراضيهم ومنازلهم داخل حدود اسرائيل كما يقول , كما انها تتضمن اعتراف الفلسطينيون
بإسرائيل كدولة يهودية , اضافة الى انها لا تذكر اخلاء المستوطنات اليهودية في
الضفة الغربية حيث سيتم ضمها الى اسرائيل مقابل تسليم الفلسطينيين اراضي بديلة .
لقد
اوردت الوثيقة كثيرا من القضايا المتعلقة بالحل النهائي، لتجد في ثناياها تجزأة
لما هو مجزأ في الوطن الفلسطيني المحتل، ولم تترك فرصة لوجود أي كيان سياسي
فلسطيني مترابط جغرافيا وسياسيا، الى غير ذلك من القضايا المتعلقة بمختلف جوانب الصراع.
لكن
كما وفي كل المحاولات والمبادرات ومشاريع الحل للقضية الفلسطينية تكون مسألة
اللاجئين وما يرافقها من الحديث عن حق العودة أكثر ما يكتنفها الغموض، وتكون
حلولها مجحفة بحق الشعب الفلسطيني، لان جميع صياغات حلها خارج إطار العودة الى ارض
الوطن الذي هجر منه الشعب الفلسطيني، وهي من أكثر الملفات الشائكة التي تسعى
اسرائيل وامريكا للتخلص منها بعيدا عن ارادة الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض.
ان
المساس بحق العودة لأي لاجئ فلسطيني يعني القضاء على القضية الفلسطينية بكل
ملفاتها وتفاصيلها، لان حق العودة بأبعاده الوطنية مرتبط بكل مفردات الصراع العربي
الإسرائيلي، مرتبط بالإنسان والهوية والانتماء والدين والتاريخ والثقافة، فلا يمكن
اختزاله بانه حق خاضع للإرادة الشخصية ولها الحرية في التصرف بهذا الحق، انما هو
حق فردي وجماعي، فلا يملك أي لاجئ _ ولا اظنه يقبل ذلك ـ ان يتنازل عن حقه او يقبل
أي تسوية او صيغة لهذا الملف غير صيغة العودة اولا ثم التعويض.
لقد
شكلت قضية اللاجئين قاسما مشتركا لكل مشاريع التسوية التي مرت بها القضية
الفلسطينية , عندما كانت على راس قائمة الاستهداف للتصفية والاسقاط , ذلك ان حق
العودة يمثل العمود الفقري لجملة الحقوق الفلسطينية المسلوبة , فهو مرتبط بالإنسان
الذي حرم بيته وسكناه دون أي ذنب يقترفه , ثم يأتي من يأتي من شتى اصقاع الارض من
يسكن ذات البيت ويعيش في ذات الحي , ليشكل بذلك حالة انسانية من حق كل ضمير انساني
حي ان ينتصر لها وينصب نفسه محاميا عنها ويعترض على التفريط بحقها , ويعتبر هذا
التفريط اعتداء على الانسان اينما حل واينما كان , كما انه مرتبط بالأرض التي هجر
منها ذلك الانسان , الذي لا يملك سوى الانتفاع منها , ولربما تساءله الاجيال يوما
ان فرط بها او تنازل عن حقهم الموروث بها , كما ان حق العودة مرتبط بالبيت المقدس
الذي حرم اجره المضاعف في تلك البقعة المباركة من المعمورة , ولن يرحمه التاريخ
يوما ان تهاون في بذل الدماء حفاظا عليها وعلى قدسيتها وارثها الديني والتاريخي ,
واخيرا فان حق العودة مرتبط بالهوية الوطنية التي بقي الشعب الفلسطيني في اماكن
اللجوء والشتات متمسكا بها ورافعا شعارها رغم كل المشارع التصفوية التي تعرضت لها
تلك الهوية , واريد لها الاندثار والانصهار.
17/3/2014