خطة مارشال لفلسطين؟
بقلم: د. صبري صيدم
تتداول
بعض وسائل الإعلام وبصورة متصاعدة الحديث حول خطة اقتصادية شاملة، ربما تطرحها
الإدارة الأمريكية خلال الفترة المقبلة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي واللجنة
الرباعية وبعض الأطراف الفاعلة اقتصادياً في فلسطين والعالم.
وقد
يتصاعد الحديث خلال الأسابيع القادمة حول هذه الخطة الى أرضيات قطاعية ومؤشرات
جديدة للاقتصاد الوطني الفلسطيني، بحيث ترفع أداء القطاعات بصورة مضاعفة. كل هذا
الجهد إذا ما رأى النور لن يغني الشارع الفلسطيني عن مطلبه الأول القاضي بتحقيق
الخطوات العملية المطلوبة على المسار السياسي بإنهاء الاحتلال، وإلا سنعود جميعاً
لمربع نتنياهو في مفهوم السلام الاقتصادي.
فالشعب
الفلسطيني يعيش أزمة مالية مستدامة، وحاجة ملحة للدعم المادي، لكنه يعي تماماً أن
المسبب الرئيس لهذا الحال هو استدامة الاحتلال، وهو بالتالي لا يرى الحل بمشاريع
تنموية مختلفة وتصاريح أكثر للتنقل، وإنما في انتهاء الاحتلال على أرضية أن الرخاء
الاقتصادي لن يكون من دون الخلاص الفعلي من المحتل.
لذا
فإن أي حديث متقدم عن خطة مارشال لفلسطين لن تجدي نفعاً ولن تحقق أهدافها دونما
خطوات متوازية تقضي بالانعتاق الكامل من الاحتلال. فخطة مارشال التي جاءت لإعمار
أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لم تأت تحت حراب الاحتلال، وإنما جاءت في جوٍ
مفعم بالرغبة في بناء ما هدمته الحرب بعد عدوان مسلح.
وبما
أن الشعب الفلسطيني ما زال يعاني من استدامة العدوان المسلح على أراضيه يحتاج بنفس
الروحية لإزالة العدوان والطغيان الذي يشكله الاحتلال قبل الدخول في الخطط
التنموية.
ومع
تصاعد الحديث عن رؤية أمريكية لإنهاء الصراع، التي على ما يبدو قد اقترنت بمدة العامين
القادمين اللذين سبق لوزير الخارجية كيري أن تحدث عنهما، باعتبار أن عدم إقامة
الدولة الفلسطينية خلالهما سيعني عدم وجود أية إمكانية لإقامة تلك الدولة، وتعمل
إسرائيل على تلويث الأجواء لجر الأمور إلى حيز المواجهة آملة في إحباط أية مسوغات
للضغط عليها وحتى تدمير جهود حليفتها الأولى في العالم. ويأتي هذا الجهد تارة من
خلال عصابات المستوطنين، التي اعتدت وتعتدي على المسجد الأقصى ودور عبادة
المسيحيين والمسلمين، وتهاجم القرى والمزارع وتسعى لترويع الآمنين، وتارة أخرى من
خلال خنق الفلسطينيين في مدنهم بالإعلان عن توسيع مستوطنات، كبيت إيل وغيرها.
ولن
يكون من المستغرب أن تختار إسرائيل، في خضم الحديث عن موافقة لجنة المتابعة
العربية على مفهوم تبادل الأراضي، تصعيد هجومها على الأرض تماماً كما فعلت إبان
الإعلان عن المبادرة العربية عام 2002، عندما هاجمت الضفة الغربية بدباباتها
وانهالت بصواريخ طائراتها على غزة. أي أن درهم مبادرات عربية سيقابل دائماً بقنطار
التخريب الإسرائيلي. لذا فإن خطة مارشال المتوقعة لفلسطين بنسختها الأممية اليوم،
ربما تبادر إسرائيل للسعي لتقديمها بنسختها الأوروبية القديمة، بحيث تدمر كل شيء،
ثم تسعى للطلب من العالم إعمار ما ستبقيه للفلسطينيين من كانتونات محدودة
الجغرافية بعد أن تستكمل مشروعها الاستيطاني الإحلالي وتبقي للفلسطينيين فتات
الجغرافية المتقطعة السبل وربما الملحقة بدول الجوار. فعن أية نسخة من خطة الإعمار
والتنمية نتحدث؟
القدس العربي، لندن، 18/5/2013