القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

دحلان وعباس.. مرحلة اللاعودة

دحلان وعباس.. مرحلة اللاعودة

عدنان أبو عامر

كما هي الحال في بداية كل شهر، تقاضى نحو 77 ألف موظف حكومي فلسطيني في قطاع غزّة رواتبهم عن شهر شباط/فبراير الماضي في الخامس من آذار/مارس الجاري. لكن استثناءً سُجّل وطال نحو مئة موظّف قصدوا مصارفهم وعادوا خالي الوفاض، إذ لم يحصلوا على مستحقاتهم وفق قرار رسمي صادر عن السلطة الفلسطينيّة. أما السبب فكونهم من أنصار محمد دحلان عضو المجلس التشريعي والقيادي المفصول من "حركة فتح"، وقد خالفوا السياسة العامة للسلطة الفلسطينيّة، ما رفع من مستوى الأزمة بينه [دحلان] وبين الرئيس محمود عباس.

وقد حصل "المونيتور" حصرياً على جميع الأسماء المشمولة بالقرار، وجميعهم من العاملين في الأجهزة الأمنيّة وتحديداً جهاز الأمن الوقائي الذي كان يقوده دحلان.

وعلم "المونيتور" من مصدر أمني في غزّة، أن عدداً من الموظفين الذين قطعت رواتبهم مطلوبون من قبل "حركة حماس"، وقد فرّوا من غزّة إلى مصر والضفّة الغربيّة بعد سيطرة "حماس" على القطاع منتصف العام 2007، في حين أن القسم الآخر ما زال في غزّة.

وجاءت ردود الفعل سريعة على القرار، إذ خرج هؤلاء الذين قطعت رواتبهم في تحركات ميدانيّة. وفي وقفة تضامنيّة حضرها "المونيتور" في الثامن من آذار/مارس الجاري، اتّهم هؤلاء من أصدر القرار بالسعي إلى منصب نائب الرئيس، مشدّدين على ضرورة التصدّي لمن يظنّون أنفسهم أوصياء على "فتح" في حين يخطّطون للقضاء عليها. وطالبوا عباس بالعدول عن القرار بشكل سريع رداً على مطالباتهم في ظل الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، مهدّدين بإقامة خيمة اعتصام أمام منازل أعضاء الهيئة القياديّة العليا لـ"فتح" في غزّة.

وحصل "المونيتور" على رسالة وجّهها الموظفون الذين قطعت رواتبهم إلى أبناء "فتح"، قالوا فيها إنهم ليسوا ضدّ عباس ولا يتبعوا لشخص بعينه، بل هم يؤيّدون فكرة دحلان المتمثلة بالإصلاح التنظيمي، متّهمين قيادة "فتح" في الضفّة بتهميش غزّة وأبنائها على المستويات التنظيميّة كافة من اللجنة المركزيّة إلى المجلس الثوري.

ووصف القيادي الفتحاوي الكبير في غزّة سفيان أبو زايدة وهو من أبرز حلفاء دحلان، القرار بـ"المجزرة والجريمة البشعة" التي ارتكبت بحقّ كوادر "فتح" لقطع أرزاقهم، مطالباً عباس بصفته رئيساً لكل أبناء الشعب الفلسطيني بإلغائه.

لكن قائد الأمن الوقائي السابق رشيد أبو شباك الذي كان الذراع الأيمن لدحلان، ظهر أكثر عنفاً في ردّه على القرار. فقد دعا إلى حمل السلاح ضدّ السلطة، الأمر الذي تمّت مواجهته بانتقادات حادة من أوساط فتحاويّة، إذ من شأن ذلك أن يسفر عن إراقة دماء ويؤدّي إلى تداعيات خطيرة من شأنها أن تعقّد المشكلة القائمة.

وعلم "المونيتور" من مصدر فتحاوي من غزّة يقيم في الضفة الغربيّة، أنّ قطع الرواتب دفع بعدد من أنصار دحلان إلى مغادرة رام الله خوفاً من عقوبات يفرضها عباس عليهم مستقبلاً وقد توجّهوا إلى الأردن ودبي ومناطق أخرى في الخارج. أضاف المصدر أن خروجهم يعكس حالة بالغة التوتّر، لأن الفترة المقبلة ستشهد استهدافاً واضحاً لهم في الضفّة.

وفور بدء الاحتجاجات في غزّة، نفى عضو اللجنة المركزيّة لـ"فتح" محمد المدني وجود قرار بمعاقبة مؤيّدي دحلان وأنصاره من خلال قطع رواتبهم، متهماً بعض وسائل الإعلام بخلق حالة من البلبلة بين أنصار الحركة.

من جهته شدّد رئيس الهيئة القياديّة العليا في "فتح" في غزّة زكريا الآغا المحسوب على عباس في خلال لقائه بالمحتجّين في خلال اعتصام حضره "المونيتور"، على رفضه المطلق للقرار كونه خاطئاً ومن دون أسباب موجبة، واعداً المحتجّين بالوقوف إلى جانبهم.

وقد سبق لـ"المونيتور" أن أعدّ تقريراً تفصيلياً عن النزاع الفتحاوي الداخلي ما بين عباس ودحلان متوقعاً استمراره، وذلك في ضوء تباعد الرجلَين في ما خصّ ملفات داخليّة وخارجيّة.

وكان لقاء لـ"المونيتور" مع مسؤول فلسطيني رفيع المستوى في الضفّة الغربيّة مقرّب من اللجنة المركزيّة لـ"فتح"، كشف فيه ما اعتبرها "أسرار قطع الرواتب عن عناصر دحلان في غزّة". فقال رافضاً الكشف عن هويّته، إن "عباس شكّل لجنة من أعضاء مركزيّة "فتح" والحكومة والأجهزة الأمنيّة لفصل موظفي غزّة بالتدريج بحجّة تأييدهم لدحلان. وقد انبثقت عن هذه اللجنة لجان عدّة في غزّة والأقاليم الخارجيّة، مهمّتها جمع الأسماء المؤيّدة له والمتعاطفة معه ورفع تقارير فيها لقطع رواتبها".

أضاف أن "ثمّة سبباً أساسياً آخر للقرار، وهو ما وصل عباس من تقارير من قبل الأجهزة الأمنيّة في الضفّة تفيد بأن دحلان شكّل قوّة مسلحة في مخيّمات الضفّة. وقد اشتبكت في الأسابيع الأخيرة مع القوات الموالية لعباس في خلال الحملات الأمنيّة التي نفذتها في مخيم بلاطة في مدينة نابلس". وتابع أن "دحلان قام بتجنيد عشرات المسلحين في مقابل مبالغ ماليّة شهريّة تقدّر بـ 600 دولار أميركي للفرد، وهو يستغل ضائقتهم الاقتصاديّة لإثبات امتلاكه قوّة في وجه عباس".

إلى ذلك، حصل "المونيتور" على تعميم داخلي وجّهه نائب مدير الأمن الوقائي الموالي لعباس رفعت كلاب بتاريخ الثاني من شباط/فبراير الماضي، هدّد من خلاله عناصر "فتح" في غزّة وحذّرهم من قطع رواتبهم إن فكّروا بتأييد دحلان.

من جهة أخرى أشارت أوساط فتحاويّة في غزّة إلى أن من يقف وراء القرار هو عضو اللجنة المركزيّة لـ"فتح" نبيل شعث المقرّب من عباس، وذلك بعد تعرّضه لتهديدات بالقتل من أنصار دحلان في خلال زيارته الأخيرة لغزّة في منتصف شباط/فبراير الماضي. وهو الأمر الذي دفعه إلى مغادرة غزّة خوفاً على حياته، وقد طلب من "حماس" توفير حماية أمنيّة له.

وفور وصول شعث إلى الضفّة، اتّهم دحلان بالعمل على تدبير انقلاب في داخل "فتح" من خلال استخدامه من قبل إسرائيل ضدّ عباس، كما استخدمته سابقاً مع الرئيس الراحل ياسر عرفات. وقد اتّهمه أيضاً بمحاولة خلق تحالف مع "حماس" في غزّة.

وبحسب معلومات حصل عليها "المونيتور"، فإن من أسباب القرار ما كشفه تقرير سابق عن لقاء جمع دحلان بقيادة "حماس" في إمارة أبو ظبي في كانون الأول/ديسمبر 2013 لإتمام المصالحة بالالتفاف على عباس.

وقد حاول "المونيتور" الحصول على تعقيب رسمي من "حماس" حول اللقاء المذكور، فأجاب مصدر مسؤول فيها أن الحركة عقدت لقاءات مع رجالات دحلان في غزّة بعد عودتهم من الضفّة من أمثال ماجد أبو شمالة وعلاء ياغي من دون تأكيد أو نفي اللقاء رسمياً مع دحلان نفسه.

أضاف المصدر المسؤول أن "المشكلة ليست في اللقاء مع دحلان أو غيره. فنحن نبحث عن مصلحة شعبنا الفلسطيني، وإذا اضطرّ الأمر يمكن أن نقابل أعداءنا لفكّ الحصار عن شعبنا. والمقابلة مع دحلان ليست مشكلة، لكن المهم النتيجة".

وتجدر الإشارة إلى أن تسريبات صحافيّة كانت قد تحدّثت عن أن المشكلة الأساسيّة التي دفعت بعباس إلى قطع رواتب أنصار دحلان، هي ما شهدته القاهرة من لقاء جمع الأخير مع وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي في أوائل كانون الثاني/يناير الماضي. الأمر الذي دفع بقيادة "فتح" إلى طلب تفسير من السفير المصري في رام الله الذي ردّ قائلاً إن السيسي لم يستقبل دحلان بصفته فلسطينياً وإنما منضمن وفد إماراتي!

وأوضح المسؤول الفلسطيني نفسه المقرّب من قيادة "فتح" في الضفّة لـ"المونيتور" أن "ضغوط دحلان على عباس تتعاظم هذه المرّة عبر السيسي، بسبب علاقة الأخير الحميمة مع دحلان حين كان مديراً للأمن الوقائي في غزّة وكان السيسي مديراً للاستخبارات العسكريّة المصريّة. فهما كانا يجتمعان مع الجانب الإسرائيلي في إطار التنسيق المشترك".

أضاف "كل ذلك دفع بعباس إلى تحجيم نفوذ دحلان في غزّة، في حين يشقّ السيسي طريقه إلى الرئاسة في مصر. وتتخوّف السلطة الفلسطينيّة من تمكنه من استقطاب السعوديّة والإمارات وجعلهما إلى جانبه لممارسة جهود مماثلة لدى عباس لصالح دحلان!".

المونيتور، 13/3/2014