القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

دروس وعبر من استشهاد جرادات

دروس وعبر من استشهاد جرادات

بقلم: خالد معالي

تجمع القوى والفصائل الفلسطينية على حساسية قضية الأسرى كما لم تجمع على قضية أخرى، ومن هنا تعد حادثة استشهاد الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب وفي ظروف استثنائية ذات دلالات مهمة، ولابد من استقصاء الدروس والعبر منها، وعدم الاكتفاء بالمتعارف عليه.

أكدت ردة الفعل العادية من قبل الأمواج البشرية الهادرة التي شاركت في تشييع جنازة الشهيد؛ أن مختلف أطياف الشعب الفلسطيني يوحدها بشكل تلقائي وعفوي مواجهة المحتل، فتعانق رايات فتح وحماس في عرس الشهادة والكرامة والشهامة والتضحية هو الأمر الطبيعي والعادي، في ظل وجود احتلال يستهدف الجميع دون استثناء، وإن ما يفرقه دخيل عليه بفعل عوامل خارجية ضاغطة بات الكل يعرفها.

يريد الاحتلال أن يخضع له الشعب الفلسطيني، ولا يصرخ ولا يحتج، ويكون كالنعاج تساق للذبح؛ بفعل تهويد القدس والضفة، والقتل البطيء للأسرى، وغيرهما الكثير؛ فانتفاضة ثالثة الآن أو غدًا هي نتيجة حتمية لما يقوم به الاحتلال.

إجماع الكل الفلسطيني على استنكار قتل الأسير جرادات تحت التعذيب الشديد، ثم الخروج بمسيرات حاشدة، والاشتباك مع جنود الاحتلال؛ تقود إلى استنتاج أن مقارعة المحتل مطلب الجميع، ولا يجوز التوقف عند محطة معينة بعينها، والقول: "كفى الله المؤمنين القتال"، بل يجب تطوير الأساليب والأدوات.

أكدت حادثة الاستشهاد أهمية سرعة توحيد الأجندة الوطنية في قضية الأسرى المقلقة وذات الأهمية الكبرى؛ لتنسحب لاحقًا على بقية القضايا المصيرية، فالزمن لا يرحم الضعفاء، ولا من لا يقدر على توحيد قوى شعبه، والتاريخ يسجل.

خشية الاحتلال انتفاضة للأسرى، وتمرد الشعب الفلسطيني على تعذيبه وإذلال جنود الاحتلال له؛ تنبع من كون الظالم والسارق يخشى دائمًا أي تحرك يقود لعودة الحق إلى أصحابه، وما سرقه خلسة في لحظة زمن غابرة بقوة البطش والإرهاب، ولم يحصل في التاريخ أن تحرر شعب من محتليه دون تقديم تضحيات كبيرة، وإن نألم فإنهم يألمون كذلك، وعلينا أن نخطط بشكل علمي دقيق لكل خطوة مستقبلية؛ فالاحتلال لديه قدرات لا يجوز الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.

مرة تلو مرة يكذب الاحتلال كما يتنفس؛ فهو أعلن أن نوبة قلبية أدت إلى وفاة جرادات، وتبين لاحقًا أن التعذيب الشديد هو السبب، فيصل بذلك عدد الأسرى الذين قتلوا في أقبية التحقيق والسجون إلى 203 أسرى.

ليس الأمن بالبطش هو ما يحقق الهدوء والطمأنينة، بل العدالة، وكلما اخترقت العدالة ودنست ثار الأفراد والشعوب، ولا عبرة لقصر أو طول المدة، وهو ما ينطبق على حادثة قتل الشهيد جرادات؛ فالاحتلال يجرم بحق الشعب الفلسطيني لتحقيق أمنه، ويزعم كاذبًا أنه واحة الديمقراطية والسلام والحضارة وحقوق الإنسان (...)، ولكن النتيجة عكس ذلك؛ فلا الأمن تحقق، ولا السلام، ولا الحضارة، في ظل عدم وجود العدالة وإرجاع الحقوق لأصحابها.

الأحداث تدفع بعضها بعضًا، وتلك سنة كونية وجدلية تاريخية؛ فقتل الأسرى، وسرقة أعمارهم الوردية، وإذلال

لقمة الخبز، والحواجز، ونهب الأراضي وسرقتها، وتهويد القدس والضفة، ومواصلة بناء الجدار(...)؛ كل ذلك يدفع باتجاه انتفاضة ثالثة؛ فالغريق لا يخشى البلل، والشعب الفلسطيني له طاقة محدودة في التحمل والصبر، وإن نفدت كان الرد الطبيعي؛ فلكل فعل رد فعل، وها هي قد بانت إماراته.