دلالات سحب تفويض حركة حماس من الرئيس عباس
حسام الدجني
في مؤتمر صحافي مفاجئ أعلنت حركة المقاومة الاسلامية
(حماس) على لسان عضوي مكتبها السياسي محمود الزهار وخليل الحية، رفضها للمفاوضات الاسرائيلية
الفلسطينية، واعتبرتها عبثية، وسحبت حركة حماس تفويضها الذي جدده رئيس مكتبها السياسي
خالد مشعل للرئيس عباس في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وبموجبه ذهب الرئيس محمود عباس
بغطاء شعبي وفصائلي، إلا انه واجه تعنتا وتصلبا صهيونيين، وتمددا استيطانيا أفشل كل
الجهود الرامية لاستئناف عملية المفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني.
فما هي الدلالات السياسية لخطوة حركة حماس؟ وما
هي انعكاساتها على العملية التفاوضية؟ أعتقد أن حركة حماس تدرك أن قرار السلطة الفلسطينية
بالموافقة على الذهاب للمفاوضات من دون تلبية كل شروطها المتمثلة باطلاق سراح اسرى
ما قبل اوسلو، ووقف كل اشكال الاستيطان داخل الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من
حزيران 1967، هو نتاج حراك اقليمي دولي يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، عبر خطوات ممنهجة
تتجاوز فضاء فلسطين الجغرافي، بل تمتد للعديد من الأقطار العربية والاسلامية، من خلال
اسقاط كل المشاريع النهضوية في المنطقة، وافشال محاولات استنهاض الحضارة الاسلامية،
عبر تأجيج الصراعات المذهبية من خلال نظريات الفوضى الخلاقة التي تمنح اسرائيل والغرب
تفوقاً سياسياً واقتصاديا وعسكرياً في منطقة الشرق الاوسط، وصولاً إلى دمج اسرائيل
في المنطقة العربية ضمن اطار الشرق الاوسط الجديد او الكبير، وكل المنظرين يدركون ان
ذلك لن ولم يتم من دون حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وربما ترى حماس ان هذا الحل
سيكون على اساس التفريط بالثوابت الوطنية، وضمن مرجعية الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية،
والثمن الذي سيحصل عليه المفاوض ربما لا يتجاوز ما تحدث به وزير الخارجية الامريكي
جون كيري ووعد السلطة الفلسطينية به، ويتمثل بتعزيز نظرية السلام الاقتصادي، واطلاق
مشاريع حيوية، منها على سبيل المثال، بناء مطار في منطقة (أ) برام الله، وبناء فنادق
سياحية على شواطئ البحر الميت، والاستفادة من حقول الغاز في عرض بحر غزة، بالاضافة
الى زيادة عدد تصاريح العمل داخل الخط الاخضر، وهذا بالتأكيد يتطلب ترتيبات أمنية وبحاجة
لرفع مستوى التنسيق الامني بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
ربما يكون هذا السيناريو الارجح الذي دفع حركة حماس
لان تطلق موقفها الجديد المتمثل بسحب التفويض، الذي ستكون له انعكاسات كبيرة على المفاوض
الفلسطيني، وعلى المشهد السياسي الفلسطيني، حيث يشكل قرار حماس بسحب تفويضها للرئيس
عباس مسماراً سياسياً في نعش العملية التفاوضية، وسيكشف عبثيتها، كونها تقوم على أدوات
قديمة جربت لأكثر من عشرين عاماً ولم تنجح.
ومن هنا فإن الانعكاس الأول فلسطينياً يتمثل ببراءة
حركة حماس من اي اتفاق لا يلبي الطموح الوطني الفلسطيني، ويمنحها العمل على افشال أي
مخططات من شأنها التفريط بالثوابت الوطنية في حال ضغطت القوى الاقليمية والدولية على
الرئيس عباس والوفد المفاوض بقبولها.
في المقابل ضعف موقف السلطة الفلسطينية والمفاوض
الفلسطيني أمام اسرائيل، فقرار الرئيس عباس الذهاب للمفاوضات لم يأخذ شرعية مؤسساتية،
فاللجنة التنفيذية لم تمنحه تفويضاً، وهناك تباين باللجنة المركزية لحركة فتح، ورفض
مطلق من حركة الجهاد الاسلامي، واليوم تسحب حماس تفويضها، وهذا سيمنح اسرائيل مساحة
للمناورة السياسية والمراوغة، وبذلك تكون حركة حماس قد لعبت باحدى اوراق القوة التي
تمتلكها والتي من شأنها ان تخلط الاوراق امام المخططات الاقليمية والدولية التي تعمل
على تصفية القضية الفلسطينية، وتقترب من النبض العام للشعب الفلسطيني وقواه الحية بالداخل
والخارج.
القدس العربي، لندن