ذكرى النكبة وأحداث النكسة الحدودية أسستا لمرحلة جديدة
الكاتب: خالد الفقيه
شهدت الحدود الفلسطينية مع دول الجوار تدفقاً غير معهود لألاف اللاجئين الفلسطينيين ومضيفيهم العرب نحو حدود الأراضي العربية المحتلة من جهتي سوريا ولبنان فيما لم تتمكن جموع أكبر من إختراق حواجز الدرك والعسكر على الحدود الأخرى من الشرق والغرب وذلك في ذكرى النكبة.
فعلى الحدود مع لبنان إستطاع الفلسطينيون ومؤازروهم من اللبنانيين والعرب إختراق الأسلاك الشائكة وإرباك جيش الاحتلال الذي يواجه وللمرة الأولى منذ عام 1948 تدفقاً بشرياً سلمياً سلاحه الإرادة والتصميم على العودة، ولم يفلح زخ الرصاص الذي أطلقه جنود الاحتلال المحتمين داخل دشمهم المحصنة في ردع هؤلاء وإجبارهم على التراجع رغم الثمن الباهظ الذي تكبدوه شهداء وجرحى.
ولكن على حدود الجولان السوري المحتل كان المشهد أكثر قوةً فقد أستطاع المئات إجتياز المنطقة العازلة وبعضهم إستطاع أن يصل مسقط رأسه في حيفا ويافا وبعضهم تسنت له الفرصة لزيارة مدن الضفة الغربية، وهذا لم يكن ليحدث لولا حالة التضامن العروبي القومي التي أبداها سكان الجولان المحتل الذين إحتضنوا العائدين بزهو إلى وطنهم ليكحلوا عيونهم به عن قرب وليحتضنوا ترابه ويحملوا معهم بعضاً من ذراته وزهوره وأشجاره إلى مخيماتهم في سوريا.
تكرر المشهد في ذكرى النكسة الرابعة والأربعين فقط على الجبهة السورية وسقط الشهداء والجرحى كما في المرة السابقة وكثرت السيناريوهات والتحليلات عما يمكن أن تصنعه الإرادة الشعبية على طريق إسترجاع الحقوق المسلوبة، وفي نظرة سريعة على ما جرى على الحدود في المناسبتين يمكن تسجيل عدد من النقاط الأولية والسريعة.
* أثبتت الجماهير المتدفقة على المقلب السوري من الحدود المحتلة سقوط وهم التفوق العسكري الإسرائيلي وتقنياته المتفوقه في المراقبة وضبط والحدود التي لم تصمد طويلاً أمام الدفق البشري، فعاد العابرون للحدود وكل منهم يحدث نفسه والآخرين بسقوط وهم حقل الألغام مصدر الرعب للملايين على مدى عقود.
* للمرة الأولى يتواجه فلسطينيون تولدوا خارج الوطن وفي مخيمات الشتات مع جنود الاحتلال وجهاً لوجه فسقط من عقولهم وهم تفوق النمر الإسرائيلي الذي بات بالنسبة إليهم ليس إلا نمراً من ورق حتى وصل الحد بهم للإشتباك معهم بالأيدي والعراك البدني.
* تبدت حالة من الإحتضان فاقت حد التضامن بين العائدين والمستقبلين من الجولانيين الذين لا زالوا يصرون على رفض الاحتلال رغم ما مر من زمن ووقت متحدين التحذيرات الإسرائيلية لهم في إخفاء العائدين، وقام الجولانيون كذلك بتأمين عودة مشرفة لمن أقتحموا الحدود ولم يسمحوا لجنود الاحتلال حتى بمساءلتهم .
* مسيرات العودة شكلت علامةً فارقة في سفر اللجوء الفلسطيني فبعد أن يأس اللاجئون من قيام المجتمع الدولي صاحب القرار 194 في إعادتهم إلى ديارهم التي شردوا منها أخذوا على عاتقهم تطبيق قرار العودة بأيديهم ووجهوا رسالة للعالم أجمع برهنوا فيها على قدرتهم على إنتزاع حقوقهم بأيديهم العارية.
* ضرب العائدون من خلف الإسلاك الشائكة مثلاً يحتذى به ويجب إنتهاجه في تصويب مسار المقاومة الشعبية التي مسخ مفهومها داخل الوطن المحتل، فالعائدون دحضوا كل المفاهيم والمناديات التي يسترسل أصحابها في الدعوة إليها في مقاومة الجدار لأن المطلوب ليس التنفيس عن الغضب المحتقن في الصدور تحت سقف الاحتلال وبشروطه، ففي الجولان ومارون الراس أسقط اللاجئون إعتقاد بعض النخب السياسية بأن الحراك السلمي كما يحلو لهم تسميته يحرج إسرائيل على الصعيد الدولي وهو ما لا تكترث له دولة الاحتلال التي تتعاطى مع نفسها كدولة فوق القانون.
* الجموع التي خرجت في الضفة وغزة وأراضي العام 1948 ومن سوريا ولبنان والأردن ومصر في وقت واحد بعضها نجح وصول نقطة إشتباك مع جنود الاحتلال وبعضها ردتها قوات الدرك والعسكر العربية وحالت دون وصولها وجهتها أرست قواعد لمستقبل قضية اللجوء والعودة أهمها.
1- برهن العائدون من خلف الحدود تمسكهم بحقهم في العودة وطمأنوا مضيفيهم بأنهم يرفضون التوطين ويصرون على العودة.
2- نقلوا قضيتهم من مرحلة الحديث العاطفي والسياسي والقانوني إلى مرحلة أخذ زمام المبادرة والعمل على تحقيق ما أنتظروه أكثر من ستة عقود بأيديهم وهم بهذا برهنوا على تفوقهم على القيادات السياسية الفلسطينية والزعامات العربية التي لحقت الركب في أحداث النكسة بعد ذلك.
3- أسقط الجيل الثالث من اللاجئين رهان قادة الاحتلال الأوائل الذين راهنوا على الزمن الذي يموت فيه الكبار وينسى الصغار، فالجيل الثالث أستخدم في عودته تقنيات جديدة رغم إدراكه أنها مكلفة تصل حد الموت والشهادة فأنتعشت روح العودة في نفوس الكثيرين فبعد أن كانت العودة الأولى مقتصرة على الجيل الشاب توسعت في العودة الثانية لتشمل قطاعات أوسع وفئات عمرية مختلفة.
4- أعادت المسيرات الحدودية الاعتبار للعمل الفلسطيني في الخارج الذي غاب خلال الانتفاضة الاخيرة وبهذا يمكن القول بأن الحيوية عادت لمخيمات اللجوء من جديد بعد أن خبت منذ الخروج من بيروت.
وفي عجالة إستقرائية يمكن القول بأن ما جرى في ذكرى النكبة والنكسة يمكن البناء عليه فالخزان البشري الفلسطيني الموزع بين الداخل والخارج مليء بالعطاء يمكن الرهان عليه في تطبيق الحقوق الفلسطينية.
المصدر: وكالة معا الاخبارية 21/6/2011