رحلة عائد
ذكرى النكبة.. واستشراف العودة
سامي حمود
قبل أن تطل النكبة علينا من جديد، وقبل أن تحطّ ذكراها الثالثة والستين على اللاجئين العائدين، كان لا بد أن يقف هؤلاء العائدون في كافة مناطق اللجوء والشتات وفي داخل الوطن وخارجه، وقفة تأمل وتدبر واستشراف للمستقبل الذي بدأ فجره يبزغ في الأفق القريب ليعلن موعد العودة إلى فلسطين.
نعم..العودة أصبحت أقرب مما نتوقع نحن الذين نؤمن بحتميتها، وأقرب مما يتوقع أولئك الذين يخشون تحقيقها، أي الصهاينة. وذلك لأن سنن الله في هذا الكون غالبة ولا بد أن تتحقق ومثبتة في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ونُشير هنا إلى أن مسألة الخروج القسري واحتلال الصهاينة لأرض فلسطين هي سنّة حتمية، وهذا لا ينفي وجود مسبّبات دفعت إلى طرد الفلسطينيين عن أرضهم ومنها تخاذل العرب وتكالب الغرب علينا.
والمسألة الأخرى هي أن الظلم الذي لحق بالفلسطينيين جرّاء عملية الطرد والاحتلال واللجوء هي سنّة حتمية أيضاً، لأن الله بذلك يمتحن عباده المخلصين المؤمنين حقاً الثابتين الذين لا تتغير مواقفهم ولا تتبدل إراداتهم ولا يتنازلون أو يفرطون بالحقوق والثوابت المقدسة للشعب الفلسطيني.
وهنا تأتي المسألة الأخيرة وهي أن النصر على العدو الصهيوني وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية في فلسطين هي سنة حتمية أيضاً.
ونقف هنا عند بعض الإشارات والدلالات التي تساعدنا في استشراف مسألة النصر والعودة، وأهمها وجود حركات إسلامية مقاومة للعدو الصهيوني فضلاً عن وجود انتفاضات شعبية فلسطينية وعربية ثائرة على الاحتلال والظلم والفساد، وما نشهده اليوم من صحوة عربية وإسلامية أكبر دليل على أن تلك الشعوب لا زالت حيّة وإرادتها لا زالت قوية وكرامتها لا زالت حرّة أبية.
ونذكر أيضاً أن العدو الصهيوني بدأ يتقهقر ويتراجع إلى الخلف ليتحصن وراء الجدر وداخل المستوطنات، وذلك بعد هزائمه المتتالية في حروبه الأخيرة في جنوب لبنان وقطاع غزة، وبعد أن خسر أقوى حلفائه في المنطقة العربية وهو النظام البوليسي المصري، وبعد أن فقد الدعم الأمريكي والأوروبي لمشروعه في الأمن وحماية كيانه من الزوال لأن تلك الدول الغربية لا تستطيع حماية أمنها واستقرار كياناتها، فكيف تستطيع أن تحمي كياناً سرطانياً عنصرياً زُرع في قلب الوطن العربي والإسلامي، وأيضاً عندما بدأت تلك الدول تفقد مصالحها في المنطقة العربية وخسارتها في الرهان على الأنظمة العربية الفاسدة التي بدأت تسقط زعاماتها ويتهاوى الواحد تلو الآخر.
الدلالة الأخرى، أن أصحاب مشروع التسوية "مهندسين اتفاق أوسلو" سقطت خياراتهم الاستراتيجية كما يزعمون في التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي 67، بل سقطوا هم أيضاً في شرِ أعمالهم بعد أن تم فضحهم للملأ بما اقترفوه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه وثوابته، وأن مسألة تفريطهم بقضايا القدس والعودة واللاجئين والمقاومة أكبر دليل على أن مشروعهم لم يكن يوماً وطنياً ولم يكن شعاره دحر الاحتلال أو عودة اللاجئين، بل كان مشروعهم قائماً على مصالح شخصية.
في المقابل، من كان يضع ثقته في مشروع المقاومة وقادة المقاومة ومجاهديها وشعبها، فكان رهانه صائباً ولم يخب ظنه أبداً لأن هذا المشروع هو الذي صمد وثبت. والمقاومة اليوم أصبحت أقوى من قبل بكثير وعزيمتها في المواجهة أقوى ورسائلها للعدو تؤذيه أكثر من ذي قبل بكثير، وهي التي باتت تفرض على العدو شروطها.
ونختم بمسألة هي أن النكبة أصبح عمرها 63 عاماً، وعندما نقارنها بعمر الإنسان فهي في مرحلة الشيخوخة وهذا يعني أن أجلها قد قرب، وبذلك يكون اقترب موعد ولادة حياة جديدة اسمها العودة. لأن النكبة هي بداية المحطة التاريخية في حياة الفلسطينيين ونهايتها تكون بداية النصر والعودة، وبذلك يتحقق أمر الله في الخروج والعودة.
المصدر: البراق - العدد الـ86